علي كريم ذهيب
في كل بلد هناك مؤسسة مختلفة التسميات حول رعاية الفنون و السينما و على مستوى الوطن العربي فقد تميزت مصر بذلك منذ عشرات السنين بطرح جميع سيناريوهات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات وغيرها حتى باتت تعرف لدى المتلقي بأنها هوليود العرب أو مصدر الفنون”.
خاضت السينما المصرية جميع تجارب الأفكار على أرض الواقع وحولتها إلى أعمال تُبهر من يراها و تحتفظ مصر لغاية الوقت الحالي بأعداد السينمات تعد الأكبر على مستوى الوطن العربي”.
لكن هنالك من يرى بأن السينما المصرية تنتقل بين الفجوات الزمنية القصيرة من المدح إلى الذم ومن الصورة الإيجابية إلى السلبية وهكذا حتى دفع النُقاد للكتابة عنها صحفيًا وحتى تأليف الكتب النقدية في ما تطرح السينما المصرية”.
من الإسكندرية شمالي مصر الناقد أحمد المسيري الحاصل على الماجستير في العلوم السياسية لكنه من نُقاد الجيل الجديد الجادون باستمرار لتصحيح مسار السينما داخل أم الدنيا”.
يريد المسيري الذي تخصصه في السياسة لتأصيل الدور السياسي للسينما في خلق الصورة النمطية لدى الجماهير و يستعرض من خلال مؤلفه كتاب “السينما و هيمنة الصورة النمطية” محاولاً التركيز على تقلبات الأفكار في صناعة المحتوى السينمائي المقدم للجمهور المصري والعربي والغربي”.
يلاحظ المسيري أن السينما المصرية تتعرض لمزاجيات سلطوية تُجبر من يعمل داخل تلك الصناعة الرضوخ لتلك المزاجيات فيعطي مثالاً على ذلك من خلال مؤلفاته النقدية حيث ترى في حقبة زمنية تصدر أجهزة الشرطة و الأمن على أنها المنقذ وفي فترات زمنية جديدة تكشف ظلامية تلك الأجهزة و تعاملها القاسي بحق المواطن المصري”.
و من زاوية أخرى ينظر المسيري لنقطة ربما غابت عن الكثير يحددها في كتابه الأخر بعنوان “السينما السياسية حرب الدعاية و التضليل” من خلال تأثيرات التضليل الإعلامي على اتجاهات الرأي العام و توظيفه في السينما السياسية و جانب أخر يسلط الضوء عليه من خلال ارتباط السينما بعلم النفس و تأثيرها على المشاهد”.
و في أخرى يكشف علاقة التأثير و التأثر بين السينما و الرأي العام”، من خلال تلك الرؤى تجد أن هناك حقائق مغيبة عمدًا أو محاولات مستمرة لزرع معلومات حسب المزاجيات السلطوية عن شيء يلامس حياة المواطن يوميًا”.
لم يغب عن خيال المسيري الطامح لتغيير جذري يخدم السينما و يجنيها أضرار الدعاية و التضليل حتى قاده القلم ليخط الكلمات على الورق في كتابه (السينما السياسية – حرب الدعاية و التضليل) إذ أن هذا الأسلوب من أكثر أساليب الدعاية و التضليل شيوعاً ووضوحاً، إذ تقدم وسائل الإعلام وجهات نظر خاصة في كل شيء، كأن يحرص على تقديم المسلم في صورة رجل طويل اللحية غريب الملبس، أو في صورة امرأة تتشح بالسواد وتجلس في مقعد السيارة الخلفي، حيث يعمل تكرار هذه الصورة على الربط التلقائي لكل ما تستدعيه من توابع قد لا يُصرح بها، فيغدو الإسلام مرتبطاً في ذهن الغربي بكل الصفات السلبية، رغم عدم إنكاره انتشار العديد من النماذج الإسلامية السلبية التي ساعدت على ترسيخ هذه الصورة النمطية والوصول إلى حد التعميم حتى استوى المسلم المتطرف بالمعتدل بالمنفتح، تلك النماذج التي يعاني منها العربي المسلم نفسه أكثر من الغربي.
كما يركز المسيري على العلاقة بين السينما والرأي العام من خلال كتابه، ومدى تأثير كل منهما على الآخر في كل من النموذجين الأمريكي والمصري، وانعكاس هذا التأثير على الجمهور وصناع السينما معاً، ومردود ذلك على المجتمع، وكيف استطاعت السينما تجسيد أهم قضايا الرأي العام على المستويين السياسي والاجتماعي وتحويلها إلى أفلام تعرض على الشاشة.
هناك مصطلح في عالم الإعلام يسمى الصورة النمطية، وهو ما ذهب له المسيري في كتاب أخر يحمل عنوانًا (السينما وهيمنة الصورة النمطية)
وهي تعني وفق ما يفسره وضع صفات معينة أو أشخاص معينة في قالب محدد سواء كان جيدا أم سيئا، يتم توظيف هذا الأمر في تحديد نظرتك للأشخاص من حولك سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمع، وفي الغالب الأعم تكون هذه الصورة خاطئة.
يجد المسيري بإنه دائما ما تقدم الأفلام والمسلسلات البطل في صورة قالب أو صورة نمطية محددة، فإذا كانت شخصية البطل تتسم بالإبداع نجده فاشل دراسيا، فوضوي، غير مبالي بأي شيء على الإطلاق، وأحيانا عديم الأخلاق، وإذا كانت تتسم بالقوة والذكاء فغالبا نجده مستفز، عديم الأخلاق وغيرها من الشخصيات التي نراها في الأفلام والمسلسلات بكثرة.
على الجانب الأخر يجد المسيري الشخص صاحب الأخلاق دائما يظهر بمظهر الضعيف غير الواثق من نفسه، محدود الذكاء وجبان وإلى أخره.
اتجاهات السينما المصرية والأمريكية وتصويرها النمطي لمؤسسات الدولة، هذا كان محورًا أخر يجده المسيري مهمًا حتى دون الحروف على الورق لتصدير كتاب حول ذلك، وبحث الموضوع من جميع الجوانب لإيصال ما هو غائب عن القارئ المصري و العربي عن اتجاهات السينمائيين في مصر و أميركا، ومفهوم الفيلم السياسي ونشأة الفيلم الذي أطلق عليه مجازا فيلما سياسيا في مصر، كما تطرق الكتاب لنوعا جديدا من التنميط ولكن هذه المرة اختص بتنميط بعض المؤسسات السلطوية الأكثر عرضه على شاشات السينما وكيف تستخدم نمطية الصورة لتمرير معلومات ربما مغلوطة أو صحيحة تخدم جانبها فقط و تعتم بياض الجانب الأخر.
واعتمدت كتابات المسيري على المقارنة ما بين السينما الأمريكية، والسينما المصرية التي تعد هوليوود الشرق الأوسط، ويجيب على تساؤلات مثل لماذا يميل صناع الفن و السينما إلى وضع شخصيات محددة في صور نمطية معينة مخالفة للواقع؟ و لماذا الاعتقاد بأن الصورة النمطية تؤثر على اختيارك للأشخاص المحيطين من حولك؟
يغوص المسيري في بحر السينما عله يصل إلى مستوى سطح التغيير نحو الأفضل و إضافة تنوع جديد من شأنه تحقيق هدفين:
الأول إيقاف استخدام سينما الترفيه للدعاية و التضليل مثل ما حدث في الحروب بين روسيا و الولايات المتحدة الأميركية من خلال الحروب الناعمة إذ أن التضليل هو سلاح الحرب خلال السنوات الأربعين الماضية.
أما الهدف الثاني هو فكرة استخدام السينما في الدعاية والحروب النفسية حيث تساعد السينما على النقل السهل والسريع للمعلومة حتى لو مغلوطة وذلك لتحقيق غايات معينة، و أيضًا يتناول المسيري من خلال تناول السينما الغربية للفرد العربي المسلم خاصة بعد ١١ سبتمبر حيث أظهرته العديد من الأفلام على انه إرهابي و قاتل، في مقابل تناول السينما المصرية للمواطن الأمريكي الغربي، واعتمدت كتابات المسيري على المقارنة ما بين السينما الأمريكية، والسينما المصرية التي تعد هوليوود الشرق الأوسط.
يتسائل المسيري متى سيتم التوقف عن استخدام السينما كآداة للدعاية لبعض الأنظمة السياسية؟ ومتى سيتوقف الجمهور عن لومها واعتبارها المسئولة عن تربية المجتمع وتهذيبة؟ ومتى سنرى سينما حقيقية تمزج مابين الجدية والترفيه وتحترم عقل المشاهد بدلا من تغييبه؟
