سعد رزاق الاعرجي
في العراق أصبح سر سعادة الإنسان ان يحقق حلم حياته عندما يغادر بلده الذي ولد فيه دون رجعة .
أدركت جيدا وأنا على أبواب التخرج من الجامعة التي عشت أيامها بحلوها ومرها بلا ملامح يعتريني هاجس الخوف من المجهول منذ دخولي لها مستيقنا اني ساقضي السنوات الأربعة سريعا لا شكل رقما جديدا في طابور العاطلين الذين سبقوني وستتطاير الكلمات والحروف من ذاكرتي وتغادرني الاناقة والمجاملة وستنطلق لحيتي رغما عني التي طالما حرصت على ترتيبها بين الحين والآخر لاظهر بشكل مقبول أمام الزميلات .
انا ابن بغداد ولدت في منتصف التسعينيات وعشت حياتي بجدية علمني الوالد ان اقول الحق ولو على نفسي وأن لا أخاف من أحد مادمت على حق ؛ فمضت بي السنين لأكون طالبا في كلية التربية جامعة بغداد كنت عضوا فعالا في الكلية وجميع اساتذتي يتقبلون مني النقد ويدخلون معي في نقاش لا طائل منه ربما لأني أتبع أسلوبا جيدا في النقاش .
مضت السنين سراعا وتفرقنا ولم يبقى سوى الذكريات وأرقام الأصدقاء والأحبة مسطرة في جهاز النقال ؛ لم أعط وعدا لأي زميلة بالارتباط بعد التخرج بالرغم من العلاقات التي عشتها إلا اني لم اكمل مع اي أحد منهن لأسباب خاصة ؛ ذات يوم اتصلت بي زميلة وقالت لي أن هناك تجمع واعتصام للطلبة الخريجين في ساحة التحرير وأن أغلب الطلاب سيتواجدون هناك ؛ عجبتني الفكرة واقتنعت بها وقررت أن اكون اول المعتصمين ؛ سهرت بعض الليالي مع رفيق لي يجيد كتابة الشعارات والاهازيج ولما جهزت توجهنا بها إلى محل الاعتصام كنت ورفاقي اول من ارتاد ساحة التحرير ؛مرت ساعات الصباح التشريني الجميلة بسرعة وكان الجميع في أوج حماسه وكنت انا من يقود هذا التجمع واتصدر المشهد وكانت شعاراتنا مميزة كسبت ود كل من اصغى إليها عكس البعض الذي حاول استفزاز أجهزة الأمن واثارة الشغب ؛؛ انتهى هذا اليوم بسلام وفي صباح اليوم الثاني والساعة تشير إلى التاسعة ونحن في أوج نشاطنا ؛ مرت ثلاث سيارات فخمة مظللة من قربنا فقررنا أن نستوقفها لنوصل رسالتنا وبطريقة سلمية بأننا نعاني من الضياع والفقر والحرمان ومجهولية المستقبل ؛ يبدو ان المسؤول قد سلك الطريق الخطأ فاضطر ان يوقف موكبه بإشارة منه بعد ان وجد أمامه أكثر من ستين شخصا يقطعون طريقه ؛ كان المسؤول ذكيا في التعامل معنا حيث أدرك أن اي انفعال لا يكون لصالحه فرسم الإبتسامة الصفراء على محياه وارسل أحد أفراد حمايته ليطلب منا الابتعاد عن السيارة وأن يتقدم أحد منا لمقابلته ؛ تقدمت له بعد ان حصلت على التخويل من رفاقي للتفاوض وهممت بالكلام الا انه أشار لي بيده اليمنى بمعنى كلمة أهدأ ؛؛ جلست معه في المقعد الخلفي ولم يكن أحد في السيارة سوانا ؛ أثنى علي وعلى رفاقي وقال انا سادعمكم وسانفذ لكم مطالبكم وأخرج ظرفا ملونا من جيبه وهو يقول بهذا الظرف كل أرقام هواتفي ومبلغ من المال لتستمروا بالاعتصام ؛ أرجوك ياولدي اتصل بي واجلب رفاقك إلى مكتبي ؛ لقد اقنعني ببرائته ولم أنتبه إلى ما في الظرف حتى نسيت ان اتمعن في ملامحه فوجئت لما قاله ومن سذاجتي صدقته فاسلوبه الناعم عقد لساني وربما سيارته الفارهة أخذت مني التركيز ؛ انسحبت من السيارة وابلغت رفاقي ان افسحوا الطريق ان الرجل معنا واعطانا وعدا ومبلغا محترما ؛ انطلقت سياراته مسرعة وكانها خرجت من المعتقل ؛ جلبت الظرف الملون بين رفاقي وتجمعنا لنفتحه ياترى ماذا في الظرف ماذا .. ماذا .. ؟؟
اندهش الجميع عندما فتحت الظرف وأخرجت ما فيه كانت مجرد ورقة بيضاء نوع a 4 مطوية حتى اصبحت بحجم محفظة النقود لقد فعلها الرجل وباع قضيتنا بورقة بيضاء لا اسم فيها ولا أرقام لقد خدعنا وهرب يالسخرية القدر
زر الذهاب إلى الأعلى