سعد رزاق الأعرجي
لم يكن سلاطين الدولة العثمانية عندما قادوا دولتهم الفتية ؛ دعاة لنشر الإسلام كمبدا سامي وإنما مجرد غطاء لسياستهم التوسعية ومن أجل الحصول على دعم الشعوب الإسلامية باعتبارهم امتدادا للحكومات الإسلامية وتدعيما لكيانهم الصغير الذي كان بحاجة إلى دعم ديني واقتصادي لتقوية نفوذه . لا أحد ينكر ان القسطنطينية باسوارها المنيعة وهي بوابة أوربا من ناحية الشرق لم يتمكن أحد من اخضاعها وفتح اسوارها إلا في عهد السلطان محمد الفاتح فسقطت جميع دول البلقان بيد العثمانيين ودخل الأتراك قبرص ومن هنا تنامت قوة وسطوة الدولة العثمانية . لم يتوقف الطموح العثماني لهذا الحد ؛ فقرر السلاطين التوجه إلى الشرق الأوسط وموارد بلدانها وكنوزها التي لا تحصى فتوجهوا نحو العراق وفيها الصفويين وإلى بلاد الشام ومصر وفيها المماليك فانتصروا على الصفويين في معركة ( مرج دابق ) وفتحت المدن العراقية أمامهم واستولوا على بلاد الشام ومصر في معارك متفرقة مع المماليك فسيطروا على جميع المدن ومنها الدينية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس . وبهذه الفتوحات استولى السلاطين على كنوز الشرق فامتلات خزائنهم بالأموال وأصبحوا قوة لايستهان بها .
لم يكن حكم السلاطين في تركيا بالأمر المستساغ للشعب التركي الميال للحرية والتعصب للقومية التركية وأن اول من ساهم في تغيير شكل الدولة العثمانية هم الاتحاديون حكام البلاد الفعليون الذين عمدوا لتكريس القومية التركية في البلاد وترسيخ هويتها ؛؛ بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية وانهيار الاقتصاد التركي مع ظهور حركات التحرر العربي في البلدان العربية وتنامي قوى الدول الاوربية عسكريا واقتصاديا مثل بريطانيا وفرنسا ؛ كل هذه العوامل ساعدت في ضعف نفوذ العثمانيين ؛ حتى استغل ( مصطفى أتاتورك ) هذه الأوضاع واسس الجمهورية التركية عام 1923 فالغى السلطنة وخلع آخر السلاطين ( محمد وحيد الدين ) وبموجب دستور الجمهورية الفتية أصبح النظام العلماني هو نظام الدولة العام . وتتوالى الأحداث وتعصف بتركيا الانقلابات والأزمات الاقتصادية ويأتي رئيس ويذهب آخر ؛ حتى يمسك حزب العدالة والتنمية زمام الحكم برئاسة (عبد الله غول ) زعيم الحزب ؛؛ وهذا الحزب كما ينص نظامه الداخلي أنه ذو توجه علماني يتبع مسار معتدل وذو جذور إسلامية ؛ في انتخابات عام 2014 هيمن حزب العدالة والتنمية على نتيجة الانتخابات ورشح رجب طيب اردوغان للرئاسة . منذ استلام اردوغان الحكم في تركيا ؛ انحرف عن مبادىء الحزب ومساره والتي تدعوا إلى نبذ الخطاب الديني وفصل الدين عن السياسة فقد كرس اردوغان السلطة وموارد تركيا كلها من أجل دعم مشروعه الكبير بإحياء روح الهيمنة والسيطرة وإعادة أمجاد الدولة العثمانية التوسعية ؛؛ لم تعرف تركيا منذ استلامه الحكم إلا لغة الغزو والتهديد وبهذه اللغة فإنه يحاول توظيف السياسة الخارجية لبلاده لتسويق صورته كقائد حرب من أجل حشد وتعبئة قاعدته السياسية التي تراجعت بسبب الانقسامات التي ظهرت في صفوف حزب العدالة والتنمية . من ضمن الأطماع التوسعية التاريخية التدخل عسكريا في سوريا ودعم الجماعات المسلحة والانفصالية شمال غرب سوريا من أجل الحصول على موطئ قدم لتركيا في هذه المنطقة فقد جهزت ثلاث عمليات لحد الآن (درع الفرات عام 2016 و غصن الزيتون عام 2018 و نبع السلام عام 2019 ولحد الآن ) ؛ لم يكتف اردوغان بالتدخل في سوريا بل أرسل قواته إلى شمال العراق ودخول الأراضي العراقية والتمركز حاليا في منطقة بعشيقة بحجة مطاردة عناصر حزب العمال التركي المعارض لتركيا والمطالب بدولة كردية جنوب شرق تركيا وبحجة حماية الأقلية التركمانية ولحد الآن الوضع على ماهو عليه . أما التدخل السافر في ليبيا فبدا جليا من خلال الدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي من قبل اردوغان لرئيس حكومة الوفاق (فايز السراج) العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين وفق اتفاقية مشبوهة بين الاثنين هدفها سرقة النفط الليبي وتكريس حكم جماعة الإخوان المحظورة في مصر . ان كل الحركات الدينية المتشددة مدعومة من اردوغان وتساندها قطر في هذا المشروع فحكومة الوفاق التي يقودها السراج فالاخير اخواني متشدد ومن أصول تركية عثمانية ودعمه لاخوان مصر ومباركته لوصول (محمد مرسي ) لرئاسة مصر الذي تسبب في قطيعة بين البلدين بعد وصول عبد الفتاح السيسي والقضاء على حكم الإخوان وحظر هذه الحركة نهائيا . لقد عاد السلطان العثماني من جديد لكنه فاق بأعماله كل اسلافه في جنون العظمة ليستعرض عضلاته أمام العالم لتشتيت الإنتباه عن الانتكاسات التي يتعرض لها الاقتصاد التركي . ان الكذب والتلون والمتاجرة بالدين هو ديدن السلطان الضعيف الذي يسعى لإنقاذ شعبيته المنهارة وسياساته الفاشلة في الداخل والخارج