مقالات

من الذاكرة الكربلائية ( المشهد الثالث. ) أول الطريق…المدرسة الهاشمية.

 حسين أحمد الإمارة


في صباح يوم جديد وغريب أختلف عن بقية الأيام، أصطحبني والدي (رحمه الله ) للتسجيل في المدرسة الكائنة في باب بغداد ، وقفنا على بابها أنظر إلى ساحتها عبر المدخل. عامل المدرسة (الفراش ).. تفضل…
والدي ..أريد أن أسجل ولدي في المدرسة..
نزلنا الدرج.،على جهة اليمين حديقة فاصلة بين سياج المدرسة وقاعات الإدارة.
وقفنا على باب المعاون الاداري..تفضل حجي.
دخل والدي وقدم الأوراق المطلوبة بتسجيل التلاميذ الجُدد .قلبها للتأكد من سلامة محتوياتها، ختم على الأوراق مع التوقيع..
نادى على الفراش..(إبني أخذ حسين للصف الأول ).

استقبلني معلم الدرس مرحباً واجلسني على كرسي صغير متوجساً .مرتبكاً لا أكاد اُسيطر على وضعي بشكل عام.
مكان لم اَعتد عليه، وجوه لم أألفها من قبل.لاحظت البعض من التلاميذ يرتدون الدشداشة وهم كبار السن وقد تجاوزوا المرحلة العمرية ..

دق الجرس ايذاناً بانتهاء حصة الدرس. خرجت من الصف، اختلط التلاميذ مع بعض ،لعب ولهو وجري.،برائة مطلقة في تصرفاتهم. وأنا لا أعرف ماذا أفعل، جائني تلميذ يسكن بالقرب من دارنا الكائن في محلة باب السلالمة .. مرحباً ومشجعاً لي لكسر حالة الخوف،
( ها حسين شبيك واكف صافن تعال العب ويانه ) تنفست الصعداء، ولم أكد أتقدم بمشاركاتهم اللعب، وإذا بالفراش حامل الجرس يدق به ايذاناً بانتهاء وقت الفرصة الفاصلة بين الدروس..

دخلت الصف وجلست على ذات الكرسي في إنتظار المعلم لبدأ حصة الدرس. دخل علينا وإذا بصوت عالي يصدر من مراقب الصف…قيام. احتراماً وتقديراً له .
المعلم…جلوس،
نظر المعلم لي مبتسماً ايحائاً بأنه عرفني..نعم إنه الأستاذ (داخل ) رحمه الله. يسكن بالقرب من دارنا وهو صديق والدي..

بعد أن أخذنا المادة المقررة وبانتهاء الفترة الصباحية دق الجرس ،خرجنا متوجهين كلُ إلى داره، صعدت سُلم المدرسة وإذا بوالدي ينتظرني. أبتسم لي واصطحبني للدار. أثناء المسير بدأت أحكي له مشاهداتي في المدرسة، وصلنا الدار وإذا بوالدتي ( رحمها الله )تستقبلني بموجة من الهلال مع رشق حفنة من( الملبس ) فَرِحة بي كوني ذهبت للمدرسة..
.
…إجتمعنا حول المائدة لتناول الطعام..
أمي…ها يُمه حلوة المدرسة..
أنا…أي كلش حلوة..
وبدأت اقص عليهم مشاهداتي ومعاناتي..
نهضت من الطعام وأنا أعيد سلسلة الأحداث التي جرت في المدرسة.
وقت قصير مضى وإذا بالوالد…يله بابا كوم البس ملابسك دا نروح للمدرسة…

في السابق كان دوام( التلاميذ..الطلاب ) يقسم إلى فترتين. الأولى صباحية تبدأ من الساعة الثامنة صباحا لغاية الثانية عشرة. وفترة مسائية تبدأ من الساعة الثانية إلى الرابعة عصراً..نظام تعليمي متقدم نتج عنه أجيال من الرجال الصالحين تصدوا لبناء وطن يشار له بالبنان نفتخر به على جميع الدول العربية والإسلامية وأصبحنا نتجه لمصاف الدول المتقدمة في العلوم الطبية والهندسية والعلمية وفي جميع المجالات..

مرت الأيام والاعوام وأنا أتقدم بالعمر واستوعب مفردات الحياة بحلوها ومرها..
أساتذة معلمين أكفاء بذلوا جهداً كبيراً لإيصال المعلومة بطريقة أو أخرى مع الإهتمام بالتربية. نمتن لهم كثيرا ونجلهم ولن ننسى ما قدموه لنا.
الكثير منهم تركوا أثرا طيبا في سلوكنا وكنا نعتبرهم قدوة حسنة. رحم الله من غادر الدنيا وحفظ الباقيين.
أذكر منهم…
هاشم البناء..صاحب الوكيل ..سعد الدهش..حميد عبد الامير..صالح الطيار..فاخر الهاشمي..سيد داخل..محمد حسن أبو غنيم.. عبد الحسين ماشاء الله…ستار الخضر..وغيرهم الكثير ممن لم تسعفني الذاكرة لذكرهم..

ساهمت مع اقراني في الانشطة المدرسية الرياضية بقيادة الأستاذ سعد الدهش. (الكرة الطائرة وكرة السلة والعاب القوى والفرقة الكشفية ) .وكانت الهاشمية من المدارس المتفوقة في جميع الأنشطة .

ففي أثناء إقامة السباقات المدرسية في العاب القوى تتهيأ مدرستنا لهذا المهرجان حالها حال بقية مدارس كربلاء لأجل الفوز في مراتب متقدمة في السباقات. بهجة عارمة للتلاميذ والطلاب. تنافس شريف لنيل جائزة أفضل… بعد انتهاء المهرجان تصدح فرقة موسيقى الجيش بعزف أناشيد وطنية وتسمع حناجر الحضور من الطلاب بالمطالبة بإعطاء عطلة لليوم الذي يلي الاحتفال…

المهرجان السنوي للمدرسة..

كان للمهرجان صدى كبيرا على مستوى المدينة. والمهرجان هذا يعتبر كرنفال شامل تقدم فيه مسرحيات وأناشيد مع اقامة معرض الفنون التشكيلية والعاب شعبية وتقام لعبة بالكرة الطائرة بين التلاميذ والمعلمين.. يحظره الكثير من الشخصيات التنفيذية العاملة في ادارة المتصرفية والسادة والشيوخ ووجهاء المدينة وأولياء الأمور..

كنت من المتفوقين في الرسم أيضأ، برعاية الأستاذ المرحوم محمد حسن أبو غنيم. وقد حصل موقف معي لا زال عالقا في الذاكرة …

في الوقفة الصباحية اليومية وبعد أن أنهى السيد المدير اجرائاته المطلوبة مع التلاميذ( المقصرين في الواجب والغياب والمشاكسين ). وإذا بالمعاون ينادي بصوت جهوري..(حسين أحمد الخضير..وحسين أحمد الوكيل ) تعالوا هنا….
طبعاً لم نخرج وأخذنا نلوذ بالتلاميذ من صفنا خوفا من العقوبة التي لا نعرف أسبابها( هكذا كنا نفكر ) .جائنا الفراش ينادي (تعالوا ليش تخافون بويه ،المدير يريدكم ). سحبنا من ايدينا واصطحبنا لمكان وقوف المدير، استقبلنا ضاحكاً ،لمَ هذا الخوف يا أبنائي، اليوم سوف نكرمكم..
تنفسنا الصعداء وآمنا العقوبة فقد استبشرنا خيراً ..
أتضح أن الإدارة قررت تكريمنا. أنا بسبب نيلي الجائزة الثانية على مستوى المدارس الابتدائية وكنت قد رسمت موضوع عربة ( النفط ) ألتي استوحيت الفكرة من مشاهدتي لبائع النفط المرحوم( عباس نفطي ) الذي كان يزود الدور بما يحتاجه الناس بالنفط لكثرة استعمالاته… استلمت الهدية من السيد المدير وهو عبارة عن قلم حبر أسود( باندان ) …
أما حسين الوكيل فقد كُرمَ بوشاح التلميذ الانيق. كونه كان أنظف واشيك تلميذ..

التغذية المدرسية كانت واجبة لكل التلاميذ والطلاب وتتكون من..
(كأس حليب + قطعة كعك + كبسولة دهن السمك ) في كل يوم..والويل لمن يمتنع من تناول كبسولة دهن السمك.
وكذلك تتكفل الدولة بتوزيع ملابس للتلاميذ الفقراء تسمى (الكسوة الشتوية ).

أيام تترى وعمر يتقدم ونحن ننتقل من مرحلة إلى ثانية لنصل إلى المرحلة التالية( الدراسة الثانوية ) لنجد ذكريات ومواقف مختلفة ووجوه تتغير بعضهم لم يواصل المشوار وآخرين يلتحقون بنا من أماكن أخرى ليضاف رقم آخر لأصدقاء جدد لقائمة طويلة ممن رافقوك في طريق العلم والمعرفة. منهم من غادر الدنيا ومنهم من يرفل بالعز والرفعة.

تلك أيام خلت لها ما لها وما عليها ..
نسأل الله أن يمن على الجميع بوافر الصحة والسلامة الدائمة إنه سميع مجيب..

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى