مقالات

من الخريف إلى الربيع: كيف نُعيد لكبار السن بهجة العمر بأيدينا؟

منار قاسم 

في خريفِ العمرِ، حيثُ تتحوّلُ الأوراقُ الذابلةُ إلى لوحةٍ ذهبيةٍ تروي حكاياتِ السنين.. يقفُ كبارُ السنِّ كجسورٍ بين ماضٍ عريقٍ وحاضرٍ يبحثُ عن بصمةٍ إنسانيةٍ. هم كنوزٌ من الحكمةِ والحُبِّ، لكنّهم يحتاجون إلى أيدٍ صغيرةٍ تُمسكُ بأيديهم الكبيرةِ.. أيديكم أنتم! فبرعايتهم لا تُضيئون خريفَهم فحسب، بل تزرعونَ بذورَ إنسانيةٍ ستُثمرُ غدًا حين تُصبحونَ أنتمُ العُكّازَ الذي يعتمدُ عليهِ الآخرون.”

جلس “أبو محمد ” (80 عامًا) على كرسيه البالي في غرفةٍ لا تكاد تتسع لسريرٍ ودفتر ذكرياتٍ يَحمله كـ”وصية أخيرة”، ينتظر مَن يقرأها بعد رحيله. هو أحد آلاف كبار السن في العراق الذين خلّفت الحروبُ والأزماتُ وراءهم عجائزَ مُهمَلين، يعيشون على هامش الحياة، بين ذكريات الماضي وألم الحاضر.

ذكريات الماضي.. وحقيقة الحاضر:

الجد أبو محمد الذي عمل مُدرّسًا للتاريخ 40 عامًا، يقول بصوتٍ يرتجف:  

   “كنتُ أُعلّم الطلاب عن أمجاد العراق.. واليوم، أستحي أن أقول إنني عشتُ في زمنٍ كان التعليمُ فيه عنوانًا للكرامة.”  

– يعيش وحيدًا في منزلٍ متصدّع بعد أن هاجر أبناؤه إلى الخارج بحثًا عن العمل، وآخر اتصالٍ له بهم كان قبل 3 سنوات.  

 

معاناة يومية:

– أمراض مزمنة: يُعاني من السكري وضغط الدم، ولا يستطيع شراء الأدوية بسبب تقاعده الهزيل

 

– عنف مجتمعي:يتعرض للسخرية من جيرانه الشباب الذين يطلقون عليه “الشايب العِكّيل” (كلمة تحقيرية تعني العجوز المُتعب).  

– خوف من الموت المجهول:

   “أخشى أن أموت وحدي.. فلا يكتشفون جثتي إلا بعد أيام، كما حصل مع جاري!” 

 

 الأمل الوحيد:

في زاويةٍ من منزله، يحتفظ أبو محمد بصورة قديمة لِزوجته الراحلة، يقول:  

 “هي كانت آخر مَن يُمسك بيدي.. الآن، حتى ظلي هجرني!”  

 

ختاما: قبل مغادرة المنزل، يُطلّ أبو محمد من النافذة المُغبرة، ويُردّد بيتًا للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري:  

“أأشقى بغدادَ وأشقى بأهلِـــي؟!**  

وهل بعدَ هذا الشقاءِ من شقاءِ؟

 

 

أيّها الأبناءُ..  

خريفُ أعمارِ آبائكم ليس نهايةَ الرحلةِ، بل محطّةٌ تحتاجُ منكم أن:  

1. استثمِروا الوقتَ معهم:فكلُّ دقيقةٍ تُشاركونها بهم تُصبح ذكرى تلمعُ في سماءِ عمركم.  

2. تعلّموا الإنصاتَ:حكاياتُهم ليستْ مُجرّد كلماتٍ.. بل دروسٌ من ذهبٍ.  

3. قدّموا الحُبَّ العمليَّ:زيارةٌ صغيرةٌ، هديةٌ رمزيةٌ، مساعدةٌ في تنظيف المنزلِ.. كلُّها تُترجمُ “أحبّك” بلغتهم.  

4. كونوا صوتَهم:إذا لاحظتم إهمالًا حولهم.. ارفعوا صوتكم، فأنتم جيلُ التغيير!  

5. تذكّروا:اليومَ تعتنونَ بهم.. وغدًا سيعتني بكم أبناؤكم بنفسِ الأسلوبِ!  

 

 “مَن يُكرّمْ كبيرًا.. يَضمنْ شيخوخةً مُكرّمةً.”  

 

لنصنعْ معًا عالمًا يُشيخُ فيه الآباءُ بِابتسامةٍ.. فالحياةُ حلقةٌ متّصلةٌ، والجَميلُ فيها أن نُكملَ ما بدأهُ مَن سبقونا بِقلوبٍ عامرةٍ بالعرفانِ.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى