مقالات

هل ستلبي الاستراتيجية التركية الجديدة طموحاتها في بناء عثمانية جديدة ؟

 

زينب شعيب/استاذ في العلوم السياسية

تعرضت تركيا لانهيار اقتصادي خطير نتيجة انخفاض دراماتيكي لقيمة العملة فيها حيث وصلت الى ثلث ماكانت عليه امام الدولار الاميريكي تحديدا في 19شباط 2001 بعد ان كان كل 500 الف ليرة تعادل 100 $ اصبحت ال100$ تعادل مليون وخمسمئة الف ليره وعلى اثر ذلك اغلقت اكثر من 400 مؤسسة صغيرة ابوابها وارتفع عدد العاطلين عن العمل الى ثلاث ملايين وكانت هذه الازمة اهم الاسباب التي ادت بالتالي الى ازمة سياسية كبيرة انهارت على اثرها حكومة بولنت اجاويد وحسب الخبراء الاقتصاديين كانت تحتاج تركيا للخروج من ازمتها مساعدات تقدر ب36 مليار دولار والالتزام بشروط القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي وفي ظل هذه الظروف كان حزب العدالة والتنمية متميزا عن كل الاحزاب الاخرى في تركيا بقدرته على وضع برنامج لحل ازمات تركيا الاقتصاديه والسياسية وفعلا حققت حكومة اردغان لاحقا معدل نمو في اجمالي الناتج المحلي لتركيا مقداره 6.6% ولاول مرة كان في تاريخ تركيا الحديث قد تراجعت معدلات البطالة الى مادون ال10%  

كان قد رسم حزب العداله والتنمية سياسة جديدة لتركيا اعتمدت على مرتكزين اساسيين هما :

* الاحداث الداخلية لتركيا ووصول حزب اسلامي للسلطة يجيد استنهاض الاتراك باستخدام تاريخهم 

* الاضطراب الاقليمي والدولي في ظل ظهور الارهاب 

 وبعد ان كانت تسمى تركيا بالدولة الجسرية خاصة بعد الحرب الباردة لموقعها المتميز الذي كان يربط الغرب كان الرفض الاوربي والروسي واضحا لها لذلك فانها بقت فترة تلتزم باستجابتها للازمات الخارجية فقط حتى عام 2001 بدءت تعمل سياستها الخارجية ضمن مبدء االعمق الاستراتيجي وهو المبدأ الذي ارساه احمد داود اوغلو في كتابه الذي نشر عام 2001 بعنوان العمق الاستراتيجي .. موقع تركيا ودورها ) وفعلا بدء اوغلو يعمل لتنفيذ مبدء العمق الاستراتيجي بعد ان اصبح وزير للخارجيه التركيه في حكومة اوردوغان واهم مايقوم عليه مبدء العمق الاستراتيجي لاوغلو هو ان قيمة العلاقات الدولية لاي دولة تعتمد على قوة موقعها الجيوستراتيجي والعمق التاريخي ونتيجة لهذا العمق بدءت حكومة اوردوغان تنتهج استراتيجه جديدة تحاكي فيها تاريخ الامبراطورية العثمانية باعتبارها كانت تمثل اهم مراكز الجذب الدولية وعليه حددت تركيا ست مبادئ لتطبيق سياسة خارجية ايجابية فعالة وهي : 

* مبدأ التوازن السليم بين الحرية والامن 

* مبدأ تصفير النزاعات 

* مبدأ التاثير في الاقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار ( ومن الجدير بالذكر ان تاثير تركيا في الشرق الاوسط كان صعب جدا حتى 2002 فكانت تركيا تنظر ان العرب انهم من خان الدولة العثمانية بينما كانت ترى العرب ان الدولة العثمانية احتلت بلادهم لفترة اربع قرون اضافة الى علاقات تركيا مع اسرائيل كانت حاجز نفسي لدى العرب في الشرق الاوسط لن يسمح لتركيا باخذ دور فعال في المنطقة لكن تغيرت العلاقات بين تركيا والعرب كنتيجة براكماتية وبفعل الحاجة للدعم الدوبلماسي) وظهور ما عرف بالحرب على الارهاب . 

* مبدأ السياسة الخارجية المتعددة الابعاد 

* مبدأ الدوبلوماسية المتناغمة 

* مبدأ اسلوب دوبلماسي جديد 

وقد تميزت في هذه المرحلة سياسة تركيا الخارجية انها متحركة بعدة اتجاهات مستثمرة موقعها وتاريخها لخدمة مصالحها الاستراتيجية والامنية والسياسية والاقتصادية . فقد تبنت فكرة الاجتماع الاقليمي للعراق كما كان لها تحركات لتهدئة الموقف بين حركة حماس والحكومة الفلسطينية وفي 2007 كانت تحاول الوساطة بين الحكومة الفلسطينية (محمود عباس ) واسرائيل وثم مبادرتها لرفع حصار غزة وعلى مايبدو ان رغم العمق الجغرافي والتاريخي لتركيا لكن النظام يعمل ان يكون حليف قوي لاسرائيل في المنطقة لذلك كانت تركيا تحاول الوساطة بين اسرائيل وسوريا وبينها وبين باكستان اضافة الى مسعاها في التوسط بين باكستان وافغانسان ومن جهة اخرى فقد كان لتركيا دور في مبادرة تجاه الصراع العسكري بين جورجيا وروسيا في 2008 لتهدئة حدة التوتر ناهيك عن انفتاحها بالعلاقات مع اليونان وارمينيا بالاضافة الى مشاركاتها في قوات حفظ السلام والانفتاح الثقافي كمشروع تحالف الحضارات وتوقيعها عدة اتفاقات اقتصادية مع الدول العربية مثل مذكرة التعاون مع مجلس التعاون الخليجي 2008 وهذه المسارات المتعددة التي خاضتها الاستراتيجية التركية الجديدة نحو المنطقة الاقليمية والدولية كان له اثره في اعادة اهميتها الجيوسياسية والجيو اقتصادية والجيوثقافية لتكن دولة مركزية لمنطقة الشرق الاوسط والمجتمع الدولي لكن ورغم كل هذه المساعي والاستراتيجية الجديدة التي ينفذها حزب الالعدالة والتنمية بكل اتقان هل يمكن لنا ان نتوقع بمستقبل عثماني لتركيا ؟ نجد من الصعوبة جدا على تركيا ان تاخذ دور دولة عثمانية جديدة في المنطقة ذلك لمجموعة اسباب اهمها :

* وجود منافس قوي في المنطقة يتمثل في الجمهورية الاسلامية يعتبر من اهم العوائق امام العثمانية الجديدة وعلى الرغم من ان تركيا كانت تسعى لتعميق العلاقة مع الجمهورية الاسلامية وعدم التعامل معها كخصم لكن هذا لا ينفي وجود المنافسة وبعض الاحيان خصومة خاصة ان تركيا تعمل في المنطقة تحت المظلة الاسرائيلة وكونها حليف لاسرائيل وهو ما سهل عليها الكثير من المهام بينما يبقى العداء هو صورة العلاقة بين الجمهورية الاسلامية واسرائيل .

* اتمام البرنامج النووي الايراني وحصول ايران على اسلحة نووية خطر كبير يهدد تركيا وامنها القومي 

* الجيبوليتيكا الاسلامية في المنطقة : حيث يرى بعض الباحثين ان مركز الجيبولتيكا الاسلامية متجه الى تركيا بدلا من العالم العربي كون تركيا تمتلك الاسس الاستراتيجية التي تمكنها من اخذ زعامة العالم الاسلامي كون تركيا البلد الوحيد الذي يه بعد في على كامل الخارطة الاسلامية التي تمتد اليوم من اعتباب اوربا الوسطى واسيا لمحاذاة الصين وبالرغم من هذا فان مناطق الثروات والنفط تتمركز في المناطق الشيعية وهذا يعني ان الجمهورية الاسلامية تتمتع بميزة لايمكن وجودها في اي من الدول الاقليمية كونها الاقرب الى مناطق الثروات (الشيعية )

* القلق السعودي من تركيا : بالرغم من ان كلاهما حلفاء لاميريكا في المنطقة لكن تبقى السعودية تنظر بعين القلق من التدخل التركي والتوسع في العراق ناهيك عن منافستها في مركزية العالم الاسلامي 

* اما فيما يخص العلاقات التركية السورية وعلى الرغم من محاولات تركيا للفوز بصداقة سوريا لوجود هدف مشترك هو الحد من التحرك الكردي في كلا البلدين والحيلولة دون دولة كردية الا انه لا يمثل علاقات متينة بين البلدين فعلاقات سوريا بالجمهورية الاسلامية تبقى تشكل خطر لامن تركيا واسرائيل .

ولكل ماتقدم يمكننا ان نلخص الى عدة حقائق اهمها ان تركيا استثمرت موقعها بالدرجة الاساس لتخرج من الازمات الاقتصادية واستثمرت اميريكا تلك الازمات لتحصل على حليف مميز في المنطقة يعمل لتحقيق مصالح مشترك تحت مسمى السلم في المنطقة وتهدف اساسا امن وسلامة اسرائيل وهذا يعني ان تركيا اسيرة لسياسة امريكا واسرائيل في المنطقة ومن جانب اخر يبقى الملف النووي الايراني هو الحاسم لتمركز وزعامة منطقة الشرق الاوسط والحد من تطلعات تركيا بعثمانية جديدة .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى