الشيخ عبد الهادي الدراجي
بداية الطريق :
* تفتح الجارية الباب وترمي قمامة الأكل الزائد من مجالس الطرب واللهو !!
* ماذا أرى : في أزقة بغداد حيث الهدوء والسكينة وفي ساعة متأخرة يمر صدفةً رجل عليه سيماء الصالحين وينظر بعينه الى الجارية مرعوباً من هول المنظر!! . تُلقي الجارية الطعام في الطريق وتحول بوجهها نحو الدار غير آبهة بأي شيء أمامها !!
* تحول المسار : من وراءها سمعت صوت هادئ يحمل في جنباته روح السكينة والوقار والهدوء ، تتسمر الجارية بمكانها ويختلج في ذهنها ان روحاً علوية قد حدثتها ، امعنت النظر واذا به سيدٌ جليل الهيبة عليه سُمرة تنحدر عنه سيماء الصالحين وتتفجر من جوانبه روح العلم والزهد والإيمان.
* اسألة استفهامية : هنا يبادرها السؤال عن مالك الدار ، صاحبها مَن ، اراه : غافلاً ، تائهاً ، مشتهياً لملذات دنياه ، منغمساً في ذنوبه ، لايعرف قيمة النعمة التي اعطاها الله له ، محبوساً ومأسوراً من قبل نفسه التي سلكت به سبل المسالك فجعلته اهون هالك ، نسى الله فأنساه الله نفسه ، بادرها السؤال : امة الله من هو سيد الدار هذا !!؟؟ اجابت لسيدي بشر ، تأمل كثيراً ، ثم بادرها بسؤال آخر ومن نوع مختلف ، أمة الله سيدك حرٌ ام عبد !!!؟؟ ، فأجابته وهي في حيرة من أمرها من فحوى سؤال سوف يغير مجرى الأحداث عند ” بشر ” فقالت : بل هو حرٌ ، متأملاً ذلك الرجل العابد الذي اخذ بمجامع تلك المرأة من شدة صلاحه وهيبته وخشيته وقد جال في خاطرها اسئلة كثيرة عن مرادات هذا الصالح من اسئلته وماذا يعني بها !!! فقال لها بعد التدبر في حال ” بشر ” صدقتِ لو كان ” عبداً لمولاه لاستحى منه “.
* بشرٌ يتحفى : وفي صخب الأحتفال الماجن واللهو والطرب والجارية غائرة حائرة بين صوت الموسيقى وشرب الخمر الذي يزكم الأنوف ورقص الجواري بحيث لاتوجد مسافة واحدة توحي بأن هذا البيت سينقلب رأساً على عقب ويتحول حالهُ من هذا المجون الى حديث الأجيال المتعاقبة حول ” بشر ” المغمور بالخمور الى ” بشر ” المتحفي من كل ذنوب الدنيا وزخارفها وزبارجها ولهوها وطربها. هنا يبادر ” بشر ” بالسؤال للجارية عن سبب تأخرها في رمي القمامة : ما الذي أبطأك؟ فروت له ما دار بينها وبين ذلك الرجل العابد ، وسمع ما نقلته عنه وكررت له قول الرجل الصالح : “صدقتِ، لو كان عبداً لخاف من مولاه” فهزّه هزّاً عنيفاً أيقظه من سباته العميق ، وأيقظه من نومة الغفلة عن الله ، بشر سأل الجارية من اين ذهب الرجل !؟ فأشارت له عن مكان ذهابه فأسرع اليه حافياً وفي ذهنه ان هذا الرجل ليس سوى موسى بن حعفر عليه السلام الذي قذف في قلبه روح الإيمان والتوبة مما جعله يترك نعله ويخلعه ويذهب الى الواد المقدس طوىً من شدة ما استحضره من كلام الإمام وتأثيره فيه ، نعم احتفى بشر من دنياه ، فتاب على يدِ الإمام معتذراً باكياً ثمّ هوى على يدي وقدمي الإمام يقبّلها وهو يقول: سيّدي أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً ولكن عبداً لله ، وكان له ما اراد وأصبح حديث الأجيال المتعاقبة لشدة اخلاصه وايمانه وزهده!!
* الخلاصة( بشرٌ هو بشر لا غير ) : سيدي لو انك قلتها لأهل دنيا اليوم الف مرة ماتركوا نعال الدنيا لأن القوم اغرتهم وأغوتهم دنيا هارون ، بلا رادع فهؤلاء : ( مشتهون ، منغمسون ، طالبون لها بشراهه ، لاتحدثهم عن الإيمان ولا الدين ولا العقيدة ولا الأخلاق فتلك خلال الأغبياء عندهم ، مغنمهم المال والصفقات، ومجالسهم اللهو وحب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والسيارات الفارهة والقصور المرصعة ، عذراً سيدي موسى بن جعفر فبشر غير موجود في ظهرانيهم ، ولايستطيعون نزع نعالهم ليركضوا مسرعين نحوك فبشر هو بشر لاغير.