مقالات

‏ليست عيبًا في التوازن، بل ثقل الأيام

منار قاسم 

كثيرًا ما يُفسَّرُ سقوطُ الإنسانِ على أنّهُ نتيجةٌ لعيبٍ في تكوينِه أو ضعفٍ في قدرتهِ على التحمّل. 

لكنَّ الحقيقةَ أعمقُ من ذلك بكثير. فالسقوطُ ليسَ دائمًا علامةً على خللٍ داخليٍّ، بل هو غالبًا نتاجُ تراكماتٍ وضغوطٍ خارجيةٍ تفوقُ قدرةَ الروحِ على المقاومة. 

إنَّ الإنسانَ لا يسقطُ بسببِ عيبٍ في التوازن، بل لأنَّ الأيامَ أثقلتْ ظهرهُ بما لا يُحتمل.

‏التوازن: هشاشةُ القوة

‏يُعدُّ التوازن مهارةً ومجهودًا مستمرًا، لا حالةً ثابتةً. إنها عمليةٌ يوميةٌ منَ الموازنةِ بينَ متطلباتِ الحياةِ المختلفة: العمل، والأسرة، والعلاقات، والأهداف الشخصية. 

هذا السعيُ الدؤوبُ لتحقيقِ التوازن يُظهرُ قوةَ الإنسانِ وإصراره، لكنه لا يجعلهُ محصّنًا ضدَّ الضرباتِ الخارجية. 

 

فالرياحُ القويةُ يمكنُ أنْ تهزَّ أقوى الأشجار، والصدماتُ المتتاليةُ يمكنُ أنْ تكسرَ أصلبَ الصخور. السقوطُ هنا ليسَ فشلًا في الموازنة، بل هوَ استسلامٌ أمامَ قوّةٍ لا يمكنُ دفعها.

 

‏الأيام: تراكمُ الأثقال

‏إنَّ كلَّ يومٍ يمرُّ يضيفُ إلى حياةِ الإنسانِ تجربةً جديدة. قد تكونُ هذهِ التجربةُ جميلةً تزيدُ منْ قوّته، وقد تكونُ عبئًا جديدًا يثقلُ ظهره. كلمةٌ قاسية، خيبةُ أملٍ متكررة، ضغطٌ مهنيٌّ لا يتوقف، أزمةٌ ماليةٌ مفاجئة؛ كلُّ هذهِ الأعباء، التي قد تبدو صغيرةً في حينها، تتراكمُ معَ مرورِ الأيام لتُشكّلَ حملًا ثقيلًا. الإنسانُ قد يستطيعُ حملَ حجرٍ واحد، لكنَّه سيُنهكُ حتمًا إذا طُلبَ منهُ حملُ جبلٍ منَ الحجارةِ الصغيرة. السقوطُ في هذهِ الحالةِ ليسَ دليلًا على الضعف، بل هوَ نتيجةٌ طبيعيةٌ لاستنفادِ طاقةِ التحمّل.

‏فهمٌ جديدٌ للسقوط

‏إنَّ إدراكَ هذهِ الحقيقةِ يُغيّرُ نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين. فهو يُلغي لغةَ اللومِ القاسيةِ التي تقولُ “أنتَ ضعيفٌ لأنكَ سقطتَ”، ويستبدلها بلغةٍ أكثرَ رحمةً وفهمًا. فبدلًا منَ الحكمِ، يجبُ أنْ نتساءل: ما هيَ الأعباءُ التي كانَ يحملُها هذا الشخص؟ وما هيَ الضغوطُ التي أثقلتْ كاهلَه؟

‏إنَّ السقوطَ في نهايةِ المطافِ ليسَ وصمةَ عارٍ، بل هوَ شهادةٌ على معركةٍ خاضها الإنسانُ بصمتٍ وصبر، قبلَ أنْ ينهارَ تحتَ وطأةِ ما يفوقُ قدرته. إنهُ دعوةٌ لنا جميعًا لنكونَ أكثرَ لينًا معَ أنفسنا، وأكثرَ تفهّمًا لمنْ حولنا، لأنَّنا لا نعرفُ أبدًا حجمَ الأثقالِ التي يحملها الآخرون.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى