منوعات

من الذاكرة الكربلائية ..المشهد السادس والثلاثون (رقم الخط 4)

 حسين أحمد الإمارة 

إستيقظت من النوم عند الساعة العاشرة صباح يوم الجمعة، مع ثلاثة من أصدقائي الطلاب في الكلية.

بعد أن أخذنا حماماً ارتدينا الملابس وغادرنا الغرفة في القسم الداخلي الكائن في منطقة الوزيرية من ضمن مجمع ساحة الكشافة ومجمع ساحات وأبنية وقاعات كلية التربية الرياضية العائدة ملكيتها إلى وزارة التربية والتعليم.

قررنا الذهاب إلى شارع السعدون سيراً لقضاء الوقت من جهة والذهاب إلى السينما من جهة أخرى ، قاطعين شارع الوزيرية متجهين شرقاً إلى باب المعظم ومن ثم شارع الرشيد.

توقفنا عند سوق الهرج في منطقة الميدان لاستبدال بطارية ساعتي اليدوية.
حركة دؤوبة بين الناس، منهم من يهوي الانتيكات وآخرين لحب الاستطلاع.

أم كلثوم يعلو صوتها الصادر من المقهى التي سميت باسمها تقديرا لها.

رجل مُسِنْ جالس على كرسي من الخشب داخل محله ينتظر من يشتري منه، إنه محل كعك السيد المحاذي لجامع الحيدر خانه الأثري.

يقابله مقهى الزهاوي الموغلة في القِدم بروادها من المثقفين والفنانين والشعراء والكتاب وغيرهم..

اجتزنا محل شربت حجي زبالة الشهير، ودخلنا شارع المتنبي لتناول وجبة الإفطار في مطعم الاخلاص.
صعدنا للطبقة العليا (البالة خانة ) ،عيني حجي زاير بروح ابوك جيبلنه أربع نفرات مشكل، الصحن يحتوي على( الكباب والگص ) .

جولة قصيرة مع شرب الشاي في شارع المتنبي ثم خرجنا متجهين لغايتنا، مجتازين ساحة الرصافي بعد إلقاء التحية عليه.

في سوق الصفارين يتجول بعض السائحين لشراء بعض الاعمال النحاسية التي يشتهر بها السوق ،
الشورجة أغُلقت محلاتها مع بقاء آثارها على الشوارع والطرقات.

شارع السموئل هو الآخر خلا من المارة، فلا وجود للتعاملات المصرفية فالجمعة يوم عطله لكافة دوائر الدولة.

توقفنا عند مكتب الخطوط الجوية العراقية الواقع في ساحة الغريري التي شهدت محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم .لشراء حقيبة خضراء اللون طبع عليها شعار الخطوط.

ساحة حافظ القاضي هي الأخرى قل فيها حركة وسائط النقل وكذلك السابلة.
توقفنا عند سوق الاورزدي باك لأخذ جولة قصيرة فيه،فلا وجود للمال لشراء بعض الحاجيات.

وصلنا منطقة المربعة التي يتواجد فيها الكثير من إخواننا العرب مصريين، سودانيين و جنسيات مختلفة ترتزق من فضل الله الكريم .

دخلنا ( المقهى البرازيلي ) ،احتسينا قهوتها المشهورة، خرجنا منها سريعا لعدم توافق روادها المنشغلين بقراءة الجرائد والكتب مع اهوائنا.

توقفنا عند بائع الفلافل الواقع عند شارع الخيام وتناولنا منه وجبة سريعة .

بعد مرورنا على ساحة التحرير، وقفنا على رقبة جسر الجمهورية نمعن النظر بالعمل الخالد لجواد سليم (نصب الحرية) الذي جسد فيه حياة المجتمع العراقي قبل وبعد ثورة 14تموز.

على الجهة اليمنى تقع بناية مدرسة الراهبات الخاصة بالاخوة المسيح.

اتفقنا على الدخول في صالة سينما (سمير أميس) لمشاهدة فلم سان دوگان، الذي مثله الممثل العالمي STEVE REEVES.

بعد انتهاء الفلم توجهنا لشارع أبي نؤاس لتناول وجبة السمك المسكوف عند أحد المطاعم المطلة على نهر دجلة الخير.

طرق فرعية تؤدي إلى الشارع، بيوت تحمل عبق الماضي والهوية البغدادية ظاهرة على شناشيلها المطلة على الطرقات وجدرناها المبنية من الطابوق والعگادة والچف قين والمقرنصات والأبواب وشباببك الخشب التي صنعت بأيدي نجارين مهرة، التي اشتهرت بها مدن العراق عامة وبغداد خاصة.

أغلب هذه الدور تعود للجالية اليهودية التي قطنت بغداد واتخذت من البتاويين تجمهراً لها، إضافة للبعض من ساكنيها من النصارى والمسلمين.

في أحد المطاعم جلسنا نتذاكر فيه على حكايات أكل الدهر عليها وشرب في إنتظار وصول طلبنا من السمك.

بعد الانتهاء من تناول الطعام، نادينا العامل لأخذ المبلغ المطلوب.
عيني حسابكم هو، سبعة دنانير وستمائة وخمسون فلساً.
اخرجنا كل المبلغ الذي نمتلكه فوجدناه، سبعة دنانير وعشرة فلوس..
قلنا له هذه سبعة دنانير والباقي سوف نجلبه لك غداً ،وهذه هوية الطالب تبقى لديك كضمان ..

ذهب إلى صاحب المطعم الطاعن في السن، معتمراً چراويته البغدادية الأصيلة ليخبره بالأمر..
جائنا للأستيضاح، أخذ المبلغ وأرجع الهوية وقال هذا المبلغ يكفي والباقي على حساب المطعم، فأنتم طلبة ولكم معاملة خاصة.
تركنا متخطياً مناضد الطعام، وما ان وصل منتصف المطعم عاد إلينا موجهاً كلامه لنا..

. بابا أنتو وين بيوتكم؟
.نحن في القسم الداخلي في الوزيرية.
.طيب شلون توصلون للقسم ؟
سيرا على الاقدام..
.ضحك عاليا قائلا مراح يبقه شي من السمك..
أرجع لنا ربع دينار ،
.هاي كروتكم بابا شيوديكم للوزيرية، شنو السالفة عمي الدنيا بخير.
انتظروا اشربوا چاي على حسابي والله وياكم..

إنها ليست مصادفة ولكنها حقيقة يمتلكها كل العراقيين فهم أصل الكرم والجود..

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى