منوعات

من الذاكرة الكربلائية..المشهد الثامن والعشرون. فرح يصاحبه ألم( الختان )

 

 حسين أحمد الإمارة


– بعد أن تمت مراسيم الزواج وعَّمْت الفرحة الأهل.
أتفق الزوجان بعد طلب الأم منهما أن يكمل عليهم فرحتهم بولد يقر به عيونهم، للاطمأنان على استمرار النسل.
عندها قررا الزوجان أن يتجها للإنجاب بعد التوكل على الله.

تمر الأيام وعلامات الحمل تظهر على الزوجة، وبين التوحم والتقيئ،
اقتربت ساعة الولادة.

ليلة مطيرة باردة في ساعة متأخرة من الليل، ذهبت الأم مع ولدها لجلب القابلة المأذونة أم عباس (رحمها الله ) ، انشغل الجميع بتهيئة متطلبات الولادة.

مع طلوع الفجر سمع صراخ ملأ صداه جدران الدار، مرتقياً إلى السماء عندما (برأ الله النسمة ).
توجه الأب فرحاً لتقبيل يد أمه بعد أن احتضن ولده شاكرا الله من فضله ، وارجعه إلى صدر أمه كي يلتقم ثديها، ففي حليبها الدواء الناجع.
بعدها توجه للجد ، وجده قد أكمل للتو صلاة الشكر،
قَبَّل يده طالباً منه تسمية المولود الجديد.

.. بويه هو اكو أحلى من إسم نبينا الكريم. صل الله عليه واله وسلم.
نعم إنه محمد،صاح من مكانه ..
يمه محمد شلونه زين..
عرف الجميع إسم الزائر الجديد.

يمضي العمر سريعا والجد يحثهم على الإسراع بإجراء( الختان ) ،
لكن الأب والأم لم يوافقا خوفاً عليه.
كَبُرَ الطفل وفي كل مرة يؤجلوه إلى الصيف المقبل.
بعد إلحاح الجد قرر الوالد أن يجرى لولده الختان بعد أن بلغ عمره أربع سنوات.

نصت الشريعة الإسلامية كما هي بقية شرائع الله تعالى، جميعا على ضرورة إجراء الختان( الطهور ).

جرت العادة في السابق أن يقيم أهل الطفل احتفال مميزاً بحظور الأقارب والجيران بهذه المناسبة.
في الصباح الباكر يذهبون بالطفل المراد ختانه إلى الحلاق لحلق شعر رأسه، وبعدها يتوجهون إلى حمام السوك ومنه إلى داره بإقامة زفة له برفقة أقرانه من أطفال المحلة وبمصاحبة الدمام والمزمار مخترقين طرقات المحلة مرتدياً ثوبه الأبيض بعد أن تجمع أهالي الطرف عند الدار فرحين يرددون البستات والهوسات الخاصة بهذه المناسبة مع الهلاهل من قبل نسوة الطرف، تخرج الحلوى( الجكليت واللملبس ) لنثرها على الطفل ومن حوله .

البعض من العوائل تقيم وليمة بعد نحر خروف السلامة لوجه الله تعالى ،
مع إقامة زفة تحضرها الفرقة الموسيقية لأكتمال البهجة والسرور بعد نجاح إجراء العملية.
يتولى أحد الخبراء من ممارسي مهنة الحلاقة أو من العاملين في القطاع الصحي من إجراء عملية الختان .

تبدأ معانات الطفل أثناء التبول، فقد ينتابه خوف مما يحدث له ، بكاء مستمر مع حزن الأم عليه وتعاطفها مع ولدها فلذة كبدها.

الجد جالس على الأريكة وسط الدار، يشاهد ما يجري حوله، غير آبه لما يحصل لكثرة ما مر عليه من تجارب الحياة.

يقترح عليهم الصعود به لسطح الدار وجلب رمل لتغطية المنطقة تحت أشعة الشمس كي تزداد الحرارة لأجل التمكن من التبول،
ولكن الأم تعترض خوفاً على ولدها.

مقترح من هذا ورأي من ذاك والطفل في حضن أمه..
تحس الأم بحرارة تسيل على ثوبها، تنتبه لما يحصل فرحة به ،
يله يمه كمل بولتك، عفية حبيبي.
الجد…ها خير بال الطفل..
أي عمو الحمد لله والشكر.

إنتهت المرحلة الأولى بسلامة.
ومن كثرة البكاء والألم خلد الطفل في نوم عميق.

عصراً يبدأ أهل المحلة بالورود للدار لأجل التهنئة على نجاح العملية.

احداهن تخرج كيس الملبس وتنثره عليه وأخرى تضع بضعة دراهم تحت وسادته وثالثة جلبت ملابس خاطتها بيدها .

مرة أخرى يتبول على نفسه مع بكاء وألم أقل حدة مما سبقها.

في الصباح الباكر لليوم التالي يحضر (المطهرجي) لزيارة المختون لاستبدال الضمادات وتعقيم الجرح.

بعد أن تماثل للشفاء سمحت الأم بخروج الطفل أمام الدار مرتديا ثوبه الأبيض رافعاً ثوبه للاعلى لتجنب الاحتكاك بالعملية.
تجمع حوله اطفال المحلة متعاطفين معه، يُلاطفونه ويضحكون معه للتخفيف من آلامه.
هذا يطلب منه رفع ثوبه لمشاهدة العملية وآخر يستفسر عن تفاصيلها، وثالث يجلب له مجموعة من (الدعابل ) فهي الهدية التي يمتلكها المستطاع جلبها .

أيام معدودات وينتهي كل شيء.

أجيال تأتي وأخرى ترحل، وتستمر الحياة بحلوها ومرها..

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى