د. صلاح عبد الرزاق
يلعب المثقفون دوراً هاماً في تنوير الفكر وتطوير مجتمعاتهم. ففي كل عصر وأمة ينهض المثقفون لنقد المجتمع والدولة ، ويطرحون البدائل المناسبة لشعوبهم. فمن خلال أفكار جان جاك روسو وفولتير بدأت الثورة الفرنسية، وسبقهم مفكرون في أيطاليا والبرتغال واسبانيا وبريطانيا وألمانيا والمجر وبولندا وروسيا مما يسمى بعصر النهضة. وطرحت أفكار جديدة في الفن والسياسة والعلم والقانون، مما أدى إلى نشوء الدولة الحديثة والأنظمة الديمقراطية.
وإذا كان البعض يرى أن (الثقافة للثقافة) والاستغراق في الجوانب التنظيرية والفلسفية دون الالتفات إلى المجتمع والامزواء في صومعة العلم بعيداً عن الناس، لكننا نرى أن (الثقافة للمجتمع)، تهتم بمشاكله، تتناول همومه، وتعرض حلولاً تساهم في تقدم الدولة وتطور المجتمع ليصبح مجتمعاً حضارياً ملتزماً بالقانون والقيم الانسانية. فالمثقف يحمل رسالة إنسانية تختزن الانطلاق بالمجتمع نحو آفاق السمو والتقدم في كل الميادين.
بعد سقوط النظام عام 2003 أزيلت موانع كثيرة كانت تعرقل نمو وتطور المجتمع العراقي، أغلبها يعود لسياسة القمع والاضطهاد التي مارسها النظام ضد الشعب وظروف الحصار ، وبالخصوص المثقفين وأقلامهم وأدبهم وفنهم وشعرهم ومسرحهم. وانفتحت وسائل الاعلام والميادين الثقافية والفكرية والاعلامية والصحفية والفنية أمام المثقفين. ولكن مازال كثير منهم يعيش الهم السياسي والاهتمامات السياسية حتى تراجعت الثقافة إلى أدنى مستوى، خاصة في مدى تأثيرها في المجتمع. وانشغلوا مع وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي أو صاروا جزءً من دوائر الحكم والأحزاب السياسية، يكتبون لها ، ويصفقون لزعمائها، وبذلك وقع المثقفون في فخ السلطة الذي ابتلعهم ، وحرف بوصلتهم عن اتجاهها الصحيح.
أن المثقف مدعو للعب دوره الانساني والاجتماعي في النهوض بمجتمعه ، ويدعوه إلى القيم الانسانية والحضارية ، وينقد العادات والتقاليد والممارسات المخالفة للأخلاق والقانون.
هناك الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع العراقي بحاجة إلى معالجتها ومواجهتها ، ولا ينهض بذلك سوى المثقفون الذين يدركون حجمها من خلال معايشتها ميدانياً . من جانب آخر لا يمكن التعويل على السياسيين لأنهم منشغلون في مصالحهم وأحزابهم وأهدافهم الحزبية والشخصية. ولا يتذكرون الجمهور إلا عند الحاجة إليهم في مواسم الانتخابات والتظاهرات أو عند حدوث مشكلة أو أزمة طارئة لهذا السياسي أو ذاك.
ولا يمكن التعويل على القنوات الفضائية المشغولة بالبرامج السياسية ، واستضافة هذا البرلماني أو ذلك المسؤول، حتى أنها حبست المشاهد قرابة خمس ساعات من الليل في البرامج واللقاءات السياسية والحوارات بين البرلمانيين والسياسيين، بما يتضمنه من إساءات ومبالغات وممارسة أفعال وعبارات غير لائقة، إضافة الى الكذب والافتراء في التصريحات والأحاديث. ويلاحظ أن الفضائيات العراقية عموماً لا تعرض برامج ذات توجه حضاري أو زرع القيم والأخلاق الانسانية كالصدق والأمانة والتعاون والمساعدة واحترام القانون واحترام المال العام والخاص.
من هنا يبقى دور المثقف من يحمل ناقوس الخطر من تفشي الأمراض الاجتماعية التي تعيق عملية التطور والتقدم للمجتمع العراقي. وهذه مجموعة من الظواهر السلبية:
1- عدم احترام القانون والنظام العام في الدوائر الحكومية والمدارس وغيرها ، وفي الساحات العام والشوارع والأزقة. وكذلك عدم الالتزام بضوابط المرور والعبور.
2- عدم احترام الوقت والمواعيد من قبل الموظف تجاه المراجعين ، أو يجري تمضية أوقات الفراغ في أمور تافهة .
3- عدم احترام حقوق الجيران والتعدي عليهم من خلال ممارسات كثيرة .
4- العلاقات داخل الأسرة الواحدة، وعلاقة الزوج والأب ببقية أفراد العائلة.
5- التدخل في الشؤون الشخصية للآخر كالملابس والسلوك والعادات .
6- قلة الاهتمام باقتناء الكتاب أو مطالعته، أو حضور الندوات الثقافية.
7- عدم احترام آداب الحديث والانصات أو مقاطعة المتحدث .
8- التملق والتكلف الاجتماعي تجاه المسؤول والغني وصاحب الجاه.
9- انتشار ثقافة التجاوز على المال العام كالشارع والرصيف والأرض الحكومية.
10- عدم الاهتمام بالنظافة في كل مكان تقريباً .
11- عدم الاخلاص في العمل سواء كان موظفاً أو أجيراً أو كاسباً أو تاجراً.
12- ظاهرة الافراط والتفريط في المواقف والسلوك .
13- نقد الفن الهابط في برامج التلفزيون والتهريج في المسرح العراقي.
14- تشجيع المبادرات الخيرة في المجتمع والابداع الفردي في الحصول على جوائز عالمية في مختلف الميادين.
وهناك ظواهر أخرى باستطاعة المثقف رصدها ومتابعتها ، سواء كحالة عامة أو أحيانا ممارسة داخل فئة معينة كالسرقات العلمية والأدبية.
الهدف هو عدم تكريس كل المقالات والمداخلات على نقد السياسيين والبرلمانيين والنظام السياسي ، بل هناك أمور حضارية وتربوية يجدر بالمثقفين تسليط الأضواء عليها .