الباحث والاعلامي ماجد الخياط
تعتبر التكيات الحسينية احد اهم المظاهر والطقوس التي يعكف اهالي كربلاء على نصبها قبل شهر محرم الحرام ليتم افتتاحها في الاول منه. وما اريد ان ابينه من مقالي هذا هو عدة امور: 1. اصل التسمية. 2. جذور الطقس. 3. لماذا تحمل مظاهر الفرح اكثر مما هي دلالة حزن؟ 4. بعض الانزياحات او تغيير المراسيم من قبل المعزين دون دراية. – اما عن اصل كلمة (تكية) فقد اختلفت الروايات فيها، فمنهم من يقول انها تركية ومنهم من يقول انها فارسية ومنهم من يقول عربية … والرأي الاول هو الارجح لسبب، وهو: – ان تاريخ اقامة هذه الشعيرة يعود الى العهد العثماني .. ولم يسجل التاريخ قبل تاريخ عام 1831 كيف كان شكل التكيات او التكايا قبل هذا التاريخ … ولكن سجل ان المماليك العثمانيين كانوا قد منعوا المسلمين من اقامة الشعائر الحسينية حتى عام 1831 ميلادي عندما جاء (علي رضا باشا اللاظ) وهو قائد عسكري عثماني أنهى حكم المماليك في العراق وأصبح واليا على ولاية بغداد للفترة من (1831 – 1842 م). وكان من اتباع البكتاشية وهي إحدى فرق الشيعة التي تقطن في البانيا ومقدونيا وكوسوفو ويوغسلافيا والبوسنة والهرسك وتركيا, فأمر الوالي منذ ذلك الحين بإقامة مراسيم العزاء بالاماكن العامة كما قام الوالي نفسه بإهداء اهالي كربلاء والنجف والكاظمية بعض الثريات، وقد ارخت هذا الحدث المصادر التي تحدثت عن تاريخ كربلاء. – ويحدد السيد يوسف الغريفي صاحب تكية ابي الحسن والحسين تاريخ اول تكية بنيت في كربلاء فيذكر ان تكية الترك التي تأسست سنة 1931هي الاولى. – وتسجل المعاجم ان التكايا من العمائر الدينية المهمة التي ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، سواء في الأناضول أو في الولايات التابعة للدولة العثمانية، ومفردها “تكية”،وانشئت خاصة لأقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة ومساعدة عابري السبيل، وتعتبر التكية من المنشأت الدينية التي حلَّت محل “الخنقاوات” المملوكية في العصر العثماني. وفي العصر الحديث التكية بمعنى المأوى وهو المكان الذي يقيم فيه الفقراء أو المسافرون أو حتى لرعاية المحتضرين الذين ينتظرون وفاتهم وعادة ما يتم الأنفاق عليه من قبل جهات أو منظمات دينية. – اما عن الاصل الفارسي فيعتقد المستشرق الفرنسي “كلمان هوار” أن الكلمة أتت من “تكية” الفارسية بمعنى جِلد، ويعيد إلى الأذهان، أن شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخروف أو غيره من الحيوانات شعارا لهم. – اما الاصل العربي فيرجعها البعض إلى الاسم (التكأة) من الفعل العربي “اتكأ” بمعنى استوى قاعدا على وطاء متمكنا، خاصة أن معاني كلمة “تكية” بالتركية تعني الاتكاء أوالاستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء. ومن هنا تكون التكية بمعنى مكان الراحة والاعتكاف. ** اما عن دلالة التكية وتوقيتها … فتشير المصادر ان الاصل فيها هو ان تحمل الزهور والمزهريات المنارة بالانارة والاضواء والثريات ومظاهر الزينة، وصواني الياس التي تفوح منها رائحة اعواد البخور، وهي تعبير عن الترحيب بالامام الحسين (عليه السلام) اذ كان وصوله الى كربلاء في اول يوم من شهر محرم الحرام وفي بعض الروايات في الثاني منه، ولذلك يستقبل اهالي كربلاء قدوم شهر محرم بتنصيب المصابيح والفوانيس الملونة التي تضيء اجواء المدينة، التي يسمونها بـ(التكية)، فإضاءة المدينة هي للامام الحسين عليه السلام وعائلته واصحابه، فلا تكون في الايام الثلاث الاولى مراسيم عزاء سوى (ابدال راية القبتين الشريفتين لضريحي الامام الحسين عليه السلام واخيه ابي الفضل العباس بن علي ابن ابي طالب عليهما السلام، التي اصبحت فيما بعد طقسا لوحدها)، ويبدو ايضا ان اليوم الاول من محرم جاء متواكبا مع احتفالات المسلمين بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، فكان اليوم الاول من محرم خالٍ من العزاءات، وهو محط فخر الكربلائيين بالتشرف بوصول الامام الحسين عليه السلام الى ارض مدينتهم. – ومن ثم تتحول (التكية الحسينية) بعد اليومين الاولين الى مظهر حزن، والى مكان تجمع لابناء المدينة لانطلاق (العزيات) وهي مسيرات راجلة لرجال المدينة تنطلق مساءً من اطرافها تجوب شوارعها تردد القصائد المتأسية بسيرة الامام الحسين عليه السلام واهله وصحبه، وهو طقس خاص باهالي المدينة القديمة ولكن المشاركة فيه لا تقتصر على ساكني هذه المدينة فقط وانما يشارك فيها اغلب ساكني كربلاء حتى تبدو دورهم خالية تمام احيانا، اما الاحياء الحديثة فهي تنطلق بمواكب (الزنجيل) نهارا، وهي رمز يذكّر فيه الموالون لاهل البيت عليهم السلام ما حدث من انتهاك لحقوق الانسان واساءة الى بيت النبوة، باخذ السبايا من النساء والاطفال سيرا على الاقدام الى بلاد الشام بعد انتهاء واقعة عاشوراء وما تعرضوا له من ضرب بالسياط والسلاسل الحديدية التي كانوا مكبلين بها ايضا، منطلقين من مواكب حسينية تنصب في احيائهم. – في حين ان التكيات الحسينية في النهار تنشغل بتقديم المأكل والمشرب للوافدين الى المدينة، وكذلك هي مأوى ومحطة استراحة لهم. وقد تطور الطراز الفني والمعماري للتكيات الحسينية في الوقت الحاضر، اذ بدت اكبر واوسع مساحة، وتحمل اعمالا فنية رائعة من رسم وخط ونحت بل وحتى الاعمال المسرحية احيانا، بالاضافة الى دخول الحداثة عليها من الانارة والطاقة. – بقي ان نقول ان الطقوس الحسينية التي تقام في كربلاء او في محافظات العراق المختلفة قد يراها البعض انها مفتوحة للمجتهدين، او انها دون تنظيم او دراية، في حين ان المتعمق فيها يجد ان لكل منها دلالة خاصة، وهي مدرسة تربوية عالية القيمة، تمتد الى الفضيلة التي يحملها شجعان الاسلام والذائدين عن وجوده ووصوله لنا اليوم، ويشارك في هذه الطقوس كل طبقات المجتمع الثقافية والعلمية والعامة، بمختلف توجهاتهم الفكرية، وتعتبر من تراث العراق الاصيل وعادات شعبه.