محمد عبد الجبار الشبوط
يقال ان شبكة الاعلام العراقي لم تعد بوقا للحاكم، اي حاليا مصطفى الكاظمي، بعد كانت بوقا لمن سبقه، اي نوري المالكي وحيدر العبادي.
ومبدئيا لا يوجد سبب يمنعني من تصديق ذلك. فلماذا يريد شخص جاء الى الحكم من اجل الاصلاح ان يجعل من اعلام الدولة بوقا له؟ لا يوجد سبب! فالاصلاح يشمل كل شىء، ومن الاشياء التي يشملها اعلام الدولة. فالكاظمي لايريد لاعلام الدولة ان يتحول الى اعلام الحكومة، ولا يريد لاعلام الدولة ان يكون بوقا له. حسنا هذا فأل خير، ولا داعي لان نتطير منه، فالطيرة، كما في القول المنسوب الى النبي محمد، شرك. وعلى هذا، فسوف استغل هذه الفسحة من الحرية، لكي اوجه نقدا موضوعيا الى مصطفى الكاظمي، ليس لشخصه، ولكن لحكومته وسياساته.
وهذه ليست المرة الاولى التي اتناول فيها الكاظمي في هذا العمود. ففي ١٤ نيسان الماضي قلت ان “مصطفى الكاظمي لا يمثل الخيار المفضل للطبقة السياسية لو كانت في احسن حالاتها، انه خيار الاضطرار، كما وصفه الاخ ابراهيم العبادي”. وقلت بملء الفم في ذلك اليوم: “سقطت الجمهورية الثالثة على يد الطبقة السياسية التي قادتها ١٧ سنة”، وتساءلت: “هل سوف تولد الجمهورية الرابعة على يد مصطفى الكاظمي؟”، وسارعت الى القول مجيبا: “ليس بالضرورة”.
لا اخفي انني ناديت منذ زمن طويل باستبدال الطبقة السياسية الحالية بغيرها عن طريق الانتخابات المبكرة الحرة والنزيهة، بموجب الانتخاب الفردي، والدوائر الانتخابية المساوية عددا لعدد اعضاء مجلس النواب، وهذا يعني ان تتالف الدائرة الانتخابية الواحدة من ١٠٠ الف نسمة. وذلك بسبب قناعتي بان الطبقة السياسية الحالية فشلت في اقامة دولة حضارية حديثة تخلف حكومة البعث العلمانية البدوية المتخلفة.
والاستبدال خطوة في ستراتيجية اصلاحية تتكون من ثلاث شُعَب او مراحل:
الشعبة الاولى: الاصلاحات العاجلة.
الشعبة الثانية: الاصلاحات متوسطة المدى.
الشعبة الثالثة: الاصلاحات بعيدة المدى.
وهذه ليست مراحل متتابعة، بمعنى ان الثانية تأتي بعد الاولى، والثالثة بعد الثانية. انما هي ثلاث نقاط شروع تبدأ كلها في لحظة واحدة وفي ان واحد. تبدا من الاستجابة السريعة لمتطلبات المواطنين العاجلة، وتنتهي باقامة الدولة الحضارية الحديثة على اساس الممكنات المتوفرة حاليا في العراق، بما في ذلك دستور عام ٢٠٠٥.
طرحت هذه الافكار على مصطفى الكاظمي، مباشرة معه، او بصورة غير مباشرة من خلال مقالاتي المنشورة هنا وفي صحيفة “العالم”، وصفحتي في الفيسبوك. وبدأت اراقب تحركات وتصرفات الكاظمي. وبعد فترة من المراقبة اعلنت ما توصلت اليه، في عمود نشر هنا بتاريخ ٢٣ حزيران، قلت فيه بالحرف الواحد: ان
“رؤية الكاظمي للاصلاح جزئية ومحدودة ومقطعية”. وقلت: “حتى الان تبدو رؤية الكاظمي للاصلاح، كما تظهر من تصريحاته وافعاله، قاصرة، بغض النظر عن نواياه التي لا اعرفها.”
غير انني اجد نفسي مضطرا الى تعديل هذا الحكم، بعد متابعة اكثر دقة لتصرفات الكاظمي، اخرها ما حصل ليلة الاحد/ الاثنين في ساحة التحرير، لاقول ان الامر لم يعد محصورا في “الرؤية القاصرة” وانما في “القدرة” على تحقيق الاصلاح. بمعنى اوضح واكثر صراحةً، اقول ان تصرفات الكاظمي ما عادت كافية لاقناعي بانه قادر على الاصلاح. لا اتحدث عن النوايا، انما اتحدث عن القدرة الفعلية. ومن الادلة على قولي هذا: (١) عدم تركيز الكاظمي على اجراءات تقلل من معاناة الناس؛ (٢) اهتمامه بجزئيات يمكن التريث بشأنها مقابل كليات يمكن الشروع بها؛ (٣) اهتمامه او اهتمام فريقة بتكوين صورة اعلامية له سوف تقود، بنظري، الى بناء “عبادة الشخصية”، او ما يسمى باللغة الانگليزية cult of personality.
لا يفترض ان يكون كلامي هذا، كله او بعضه، صحيحا، لكن اذا تكاثر عدد الذين يقولون به الى درجة الشياع، فانه سوف يكون كافيا للاخذ به، وعند ذاك سيكون على الكاظمي اختيار احد طريقين: اما الاستقالة، او اجراء تغيير جذري في مجمل تصرفاته وسياسته، عند ذاك، اي في الحالة الثانية، سوف اكتب بتفصيل اكثر.