احمد المدني
من يتجول اليوم في شوارع كربلاء لا بد أن يصطدم بعبارة مألوفة “شُيّد في عهد فلان” أو “بُني بجهود علاّن” لافتات ضخمة تحمل صور المسؤول التنفيذي ترافق كل مشروع خدمي حتى لو كان مجرد إعادة تبليط طريق فرعي أو إعادة تأهيل سوق قديم .. هذه الظاهرة ليست مجرد محاولة لتوثيق الإنجازات بل امتداد مباشر لثقافة تمجيد الفرد التي أرساها نظام صدام حسين المقبور ولكن بوجوه وأسماء جديدة .
بعد سقوط النظام عام 2003 كان الأمل معقوداً على بناء دولة مؤسسات تحترم العمل الجماعي وتعلي من شأن المصلحة العامة لكن ما حصل في الواقع عودة النزعة الفردية بصورة أكثر فوضوية أصبح كل مسؤول يبحث عن “توقيعه” الخاص على المشاريع العامة وكأنها هبات شخصية من جيبه لا حق من حقوق المواطنين .
لا يخفى على أحد أن معظم هذه المشاريع تموّل من ميزانية الدولة أي من أموال الشعب ومع ذلك يتم تسويقها إعلامياً وكأنها منّة من هذا المسؤول أو ذاك المحافظ ، هنا لا يكفي إنجاز المشروع بقدر ما تهم طريقة تسويقه وأين توضع صورة المسؤول وما حجم اسمه على اللوحة التعريفية .
والأخطر من ذلك أن هذه الظاهرة تكرّس ثقافة الولاء للأشخاص بدلاً من الولاء للمؤسسة أو الفكرة فتصبح إنجازات الدولة مادة انتخابية وتُستخدم الأموال العامة لأغراض شخصية أو حزبية مما يُعمّق الانقسام ويُضعف الثقة بالمؤسسات.
إن عراق ما بعد 2003 يحتاج إلى قطيعة حقيقية مع ثقافة التمجيد لا إعادة تدويرها فالمشاريع تُنجز بجهود مهندسين وعمّال وموظفين لا تُذكر أسماؤهم أبداً والمسؤول الحقيقي هو من يُنجز بصمت لا من يختبئ خلف لافتة .