طه الديباج الحسيني
الحلقة الثالثة
سبحان الله واذا بالمقادير تجري حسب ما رسمها ربنا الاعلى فقد خرج الحسين ( من مكة المكرمة قادما الى الكوفة يوم 8 ذي الحجة سنة 60هـ وهو يوم التروية وبذات اليوم يفعل اهل الكوفة فعلتهم (شيعة معاوية ويزيد) ويقتلون سفير الحسين مسلم عليه السلام ( بعد أن أعطوه الامان ولكن هيهات للفاجر من أمان وكانت مراحل طريق الحسين بن علي ( كما أشارت اليها مصادر المؤرخين كما يلي:
المنزل الاول التنعيم.
يذكر ياقوت الحموي انه موضع بمكة في الحل وسمي بذلك لوجود جبلا عن يمينه يقال له نعيم واخر عن شماله يقال له ناعم ويقال للوادي نعمان وفيها مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة ومنه يحرم المكيون بالعمرة وهو اليوم حي من أحياء مكة المكرمة ويبعد عن مركزها 6كم ومتصل للبلد في بدايته للداخل اليه من طريق المدينة المنورة وجده ويقع بين جبال بشم شرقا وجبل الشهيد جنوبا وقد أعترض الحسين ( عند بدء خروجه من مكة رسل عمر بن سعيد بن العاص وهو والٌ ليزيد بن معاوية مع اخيه يحيى ليمنعوه فأبى عليه ومضى وتضاربوا بالسياط وامتنع الحسين عليه السلام واصحابه وساروا في طريقهم حتى التقى الحسين ( عيرا قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري الى يزيد بن معاوية وكان عامله على اليمن وتحمل العير (الورس)وهو نبات كالسمسم يُصبغ به ولا يوجد الا باليمن ثم أن الحسين ( قال لاصحاب الابل لا أُكرهكم, من أحب أن يمضي معنا الى العراق أوفينا كِراه وأحسنا معه صحبته ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا اعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الارض فمن فارقه منهم حوسب فأوتي حقه ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه.
وقبل خروجه ( طاف بالبيت بين الصفا والمروة وقص من شعره وحل عمرته ثم توجه نحو الكوفة وهو يقول لأصحابه: ( والله لان أقتل خارجا منها بشبر أحب الي من أن أقتل داخلا منها بشبر وايم الله لو كنت في حجر هامه من هذه الهوام لأستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم ووالله ليعتدن علي كما أعتدت اليهود في السبت.
ونقلا عن ليطة بن الفرزدق عن أبيه أنه قال ان أهل ذلك الزمان يتناقلون قتل الحسين ( وينتظرونه يوم وليلة وكان عبد الله بن عمر بن العاص يقول لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يظهر هذا الامر .
المنزل الثاني الصفاح:
يقع عند الخروج من أنصاب الحرم وتجاوز ثنية خل ويشرف عليها من الشمال جبل الستار والان هو مدينة حديثه ذات فلل وفيها بلدية واسواق سميت ( الشرائع الجديدة) وقد أتصلت بالمغمس وشملت بعضه بأتجاه عرنه وقد التقى الحسين ( بالشاعر الفرزدق بن غالب الشاعر التميمي فقال له الحسين ( ((بيّن لنا نبأ الناس خلفك)) فقال له الفرزدق من الخبير سألت ( قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل مايشاء ) فقال له الحسين ( ((صدقت لله الامر والله يفعل مايشاء وكل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سيرته)).
وكان الفرزدق قد اسطحب والدته للحج وهو يسوق بعيرها وقد سأل عن الركب الخارج من مكة فقيل له أنه للحسين بن علي ( وعندما جرت المحاورة بينهما سأل الفرزدق الحسين بن علي ( بأبي وامي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال له : (( لو لم أعُجل لاخُذت)).
وكان الحسين ( يقول وهو في مكة (( والله لا يدعونني حتى يستخرجو ا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأَمَة)).
ويذكر البلاذري رواية ثانية أن لقاء الفرزدق بالحسين بن علي ( كان في ذات عرق فقال له ما ترى أهل الكوفة صانعين فأن معي حملا من كتبهم فقال الفرزدق يخذلونك فلا تذهب فانك تأتي قوم قلوبهم معك وايديهم عليك فلم يطعني
المنزل الثالث ذات عرق:
وفيها وصل عون ومحمد أبناء عبد الله بن جعفرالطيار بن أبي طالب حاملين كتابا من ابيهم الى الحسين بن علي جاء فيه (فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالمسير فإني في أثر كتابي، والسلام).
وكلم عبد الله بن جعفر عمرو بن سعيد بن العاص – عامل مكة ليزيد- وقال له اكتب كتابا للحسين تجعل له الامان وتمنيه فيه البر والصلة وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعله يطمئن الى ذاك فيرجع فقال له عمرو بن سعيد أكتب ما شئت واتني به حتى أختمه فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب ثم اتى به عمرو بن سعيد فقال له اختمه وابعثه مع اخيك يحيى بن سعيد فأنه أحرى أن يطمئن نفسه اليك ويعلم انه الجد منك ففعل والتقى الاثنين بالحسين ( وأقراه الكتاب وجهدا به وكان مما اعتذر الحسين اليهما أن قال: ((اني رأيت رؤيا فيها رسول الله ( وأمرت فيها بأمر انا ماض له علي كان أولي)) فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ((ما حدثت أحدا بها وما انا محدث بها حتى ألقى ربى)).
وأدناه الكتب المتبادلة بين الحسين بن علي ( وعمرو بن سعيد بن العاص عامل مكة.
1-كتاب عمرو بن سعيد الى الحسين بن علي (
(بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي اما بعد فاني اسأل الله ان يصرفك عما يوبقك وان يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت إلى العراق واني أعيذك بالله من الشقاق فاني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد فأقبل إلى معهما فان لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لك الله علي بذلك شهيد وكفيل ومراع ووكيل والسلام عليك).
2-كتاب الحسين بن علي لعمرو بن سعيد عامل مكة:
((اما بعد فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل و عمل صالحا وقال, انني من المسلمين، وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة فخير الأمان أمان الله ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان يوم القيامة فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة والسلام)).