الشيخ عبد الهادي الدراجي.
على مائدة الحوار المهدوي جلست انا وصاحبي في الهواء الطلق مع ثلة من الأخيار نتحاور في السنن التأريخية وأنطولوجيا الإمام الغائب ” عج ” دار الحديث بيننا واصحابي ينصتون لنا احياناً ويباغتونا بسؤال نابع من الفطرة او الانتماء العقدي او سؤال من خارج الصندوق أحياناً أخرى ، وقد جال في خاطري بعد صعود وارتقاء مستوى الحوار قرآنياً وروائياً وعقلياً وفلسفياً عن فكرة الإمام الغائب ، ماهيتها ، فلسفتها ، فائدة وجودها ، لا بل تفسيرها هل يمكن ان يكون دينياً ام يتعدى الأمر الى ابعد من الديني ويرتقي الى المفهوم الإنساني الصرف.
يسألني صاحبي عن تلكم الفلسفة الوجودية والغيبية له عليه السلام ، مانفعها بيننا !!؟؟؟ اسئلة في صلب تلكم العقيدة الغراء بما حملته من ماضٍ وحاضر وما تحمله من مستقبل ليس بنظرة شيعية صرفة بل تتعدى الى ان تكون نظرة الإنسان لأخيه الإنسان على طبق مفهوم الرحمة الرحيمية التي اختص بها الباري عز وجل اولياؤه الصالحين .
* الخير المحض ( انتفاع وأمان ). :
يسري بنا الحديث عن تلكم المنفعة في فائدة الوجود المهدوي وفي فلسفة غيبته ومع هبوب نسمة هواء عليلة وأقداح من الشاي التي تضيف جمالاً الى الجلسة حيث تعم الابتسامات والفرح بيننا اذ نخوض في مهدوية الحديث وغيرنا يخوض في الجاه والمناصب والبهرجات الزائفة ، هنا استوقفني نص حديث الإمام المهدي عليه السلام عن فائدة وجوده المبارك وغيبته البهية التي تعتبر شفرة من شفرات هذا الوجود الإمكاني والتي لايستطيع أحد فك رموزها إلا وفق سياقات عرفانية وتجليات نفسية تشرق بإشراقات ربانية تطَّلع عليها نفوس وحدوية ” نزيرة” وقليلة كي تعرف وجه الحقيقة والأنتفاع !!!
بينما يرتشف الأحبة من اقداح الشاي كنت اروي اليهم ما استحضرني من روايته عليه السلام في وجه الأنتفاع ، فقلت لصاحبي الذي يحاورني ، اسمع هذه الرواية وتصورها بعقلك وخذ منها مايفيدك ويغنيك عن وجه الغيبة ، حيث يقول عليه السلام [ أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ].
قلت حينها لأصحابي وهم في غمرة الإنصات للرواية دعونا نتأمل بعد خروجنا في هذه الفائدة العظيمة طالباً منكم ان يرتبط مفهومها بمفهوم ” الثقلين ” اعني القرآن الكريم والعترة الطاهرة لنكتشف بعدها الرؤية المعرفية والعقلية والإنسانية لهذا الوجود الخيري وارتباطه بالأمن والأمان وكذا النفع والأنتفاع بوجوده عليه السلام وكيفية التشبيه العظيم بينه وبين الشمس والنجوم كمفهومين عظيمين من ناحية خير الناس ونفعهم وهما اي الشمس والنجوم يسريان بفائدتهما للناس الى يوم الوعد الموعود فوجوده كذلك !!! هنا يقول صاحبي : بخ بخ طوبى لمن يدقق في ذلك فيأخذ الخير الوفير والانتفاع الكبير من وجوده عليه السلام.
* اطلبني تجدني :
اين أجده عليه السلام : يسأل احد الجالسين ، هنا يباغته آخر ، كيف لك ان تسأل هذا السؤال قف ولا تخوض في مثل هذه الأسئلة !!! ، قلت له دعه يسأل ومن حقه السؤال بل ان العقل والدين امرنا بالسؤال عن كل مسألة ، وسؤاله في محله والأجابة عندي لكنها ليست مني بل من صاحبها عليه السلام والذي يجيبنا عن سؤال رفيقنا لكنه جواب يحتاج الى مقدمات حثيثة وشاقة منها ماهو عبادي ومنها ماهو قيمي وأخلاقي ومنها ماهو إنساني صرف ، ياصاحبي طلب وجدانه ليس بكثرة العبادة ولا بكثرة التهجد فلربما تتحول تلكم الأمور الى عادات يومية حالها حال العادات من المأكل والمشرب والملبس ، إن طلب البحث يقتضي الإرشاد والنصح والأخذ بأقوال العلماء والصالحين ممن يثق بخيريتهم وثقة اقوالهم وأعمالهم ، ان البحث عن الحقيقة ياصاحبي يقتضي التدبر والأستقصاء والأهتمام بتلكم القضية المركزية وفق معايير تربوية وإيمانية وأخلاقية عالية المستوى حتى تدنوا من تلكم الحقيقة ، ثم قلت له استنطق الإمام فهو يجيبك عن فحوى سؤالك ، فقال لي : ها انا ذا سألت ؟؟ قلت هاك الجواب من الإمام المهدي عليه السلام حيث يجيبك بقوله : ( إن اُستَرشدت أُرشِدتَ، وإن طَلبت وجدت ) فيا صاحبي من اراد الإسترشاد والطلب فقد وصل.
* لا اهمال ولا نسيان :
وفي غمرة الفرح في اجابة السؤال عن الطلب والأسترشاد ، يتوجه نحوي سؤال آخر ومن نوع مختلف وفيه جرأة عالية ، ياصديقي ان الإهمال والنسيان لهذه الأمة هو سيد المواقف الآن فالظلم يحيط بنا من كل جانب والتآمر بلغ اوجه والأمة تشتكي من الجور والخذلان فياصديقي هل ان هذا عادلاً !!!! بدأ الغضب يلوح على جوانب ومحيا الأصدقاء مرةً أخرى ، ويلوح في الافق رفض ثانٍ لمنهجية السؤال ومع ذلك يتفق البعض وانا معهم عن احقية مثل هذا السؤال المحتدم!!! قلت حينها ياصاحبي هل تتوقع ان ذلك بمعزل عن رؤيته عليه السلام وماهية الظلم والأعتداء الذي يطال الأمم الإنسانية !!! كلا والف كلا ياصاحبي ، لأنقل سؤالك له عليه السلام كي يجيبك بنفسه فإنه يقول : ( إنّا غيرُ مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم .. ولولا ذلك لنزل بكم اللاّواء ، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا ). والإشارة ياصديقي واضحة المعالم بينة الدلالة عن الأحاطة الشاملة بكل ماجرى ويجري الى هذه اللحظة وهنا تكمن الرعاية الحقة من لدنه عليه السلام في بعده الوجودي وغيبته النافعة فلا اهمال في ساحته ولا نسيان للإنسان في حضرته ، تلك ياصاحبي فلسفة الوجود المهدوي النافع والغيبة الأختبارية للإنسان يقول تعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ).
هنا انتهى حديثنا وودع كل منا صاحبه على امل حوار مهدوي في جوانب حياتية اخرى ننتفع بها ومنها ايما انتفاع.