تقرير _ طارق الطرفي
كشفت الدعاية الانتخابية لمرشحي انتخابات مجالس المحافظات، عن “فساد كبير” واستغلال لإمكانات الدولة وتدخل للمال السياسي، كما أكدت منظمات معنية بمراقبة الانتخابات، وفيما شددت على ضرورة المساءلة عن حجم الإنفاق خاصة وأنه يفوق رواتب عضو مجلس المحافظات للسنوات القادمة، أشارت إلى أن ما يجري ألغى المنافسة العادلة مع المرشحين المستقلين الذين لا يملكون هذا الدعم والأموال.
ويقول المنسق العام لجمعية مراقبة حقوق الإنسان في كربلاء، أحمد الموسوي، خلال حديث صحفي أن “حملات الدعاية الانتخابية، تنطوي على مشاكل كثيرة من ناحية الإنفاق الانتخابي، فهناك أموال طائلة صرفت على بعض الدعاية في كربلاء، وهنا على الجهات المختصة أن تعمد إلى المساءلة في هذا الجانب”.
وتحدد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حجم الأموال التي يتم إنفاقها على الدعاية الانتخابية، بضرب 250 دينارا في عدد الناخبين بكل دائرة (محافظة).
ويضيف الموسوي، أن “عدم تكافؤ الفرص نراه واضحا بين المرشحين بسبب تلك الأموال الكبيرة، وهو ما يعتبر هدما للعملية الديمقراطية، ولن ينتج تنافسا صحيحا، كما أكدت على ذلك منظمات حقوق الإنسان وجميعة الأمم المتحدة، لاسيما وأن العراق من الموقعين على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
ونصت المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أن يكون لكل المواطن الحق بأن “يُنتخَب وينتخِب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين، وأن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده”.
ويبين الموسوي، أن “المال السياسي واستغلال المواقع الحكومية وموارد الدولة بات واضحا في الحملات الانتخابية، وبالمقابل فإن المرشح المستقل الفاقد لتلك الإمكانات، لا يتمكن من منافسة المسؤول الحكومي والسياسي، بالرغم من صدور تعليمات وضوابط من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والمنظمات الدولية”.
ويلفت إلى أن “استغلال المواقع الحكومية وإمكانات الدولة والمالي السياسي في الانتخابات، أصبح يظهر بشكل كبير في كل انتخابات، وحتى اللحظة لم نر أي حلول جدية من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية إزاء ذلك”.
يذكر أن مفوضية الانتخابات، أعلنت مؤخرا عن رصدها 500 خرق فيما يخص الدعاية الانتخابية، لكنها أكدت في ذات الوقت أن الخروق لم تصل مرحلة إبعاد المرشح عن الانتخابات.
ومؤخرا، بدأ حراك نيابي لجمع عشرات التواقيع بهدف منح المسؤولين والمحافظين المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات إجازة إجبارية من مناصبهم، بهدف ضمان عدم استغلالهم لموارد الدولية في حملتهم الدعائية.
يشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، شهدت انتشار الكثير من مقاطع الفيديو لمرشحين في هذه الانتخابات، وهم يستخدمون نفوذهم ومناصبهم الحالية، بغية توفير الخدمات لبعض المناطق أو المحافظات المرشحين عنها، وخاصة المسؤولين في الدوائر الخدمية.
إلى ذلك، يبين المنسق الإقليمي لشبكة شمس لمراقبة الانتخابات، حسين الإبراهيمي، أن “الحملات الدعائية الانتخابية لمجالس المحافظات، لم تظهر بأي جديد، فما زالت تعتمد على أسلوب الدعوات الاجتماعية والتجمعات العشائرية ونشر الملصقات في الشوارع، فضلا عن مواقع التواصل الإجتماعي، فلم نر أي دعاية مؤثرة، رغم أن المواطن يرفض هذا الأسلوب”.
ويضيف الإبراهيمي، أن “نوع وحجم الصور والملصقات الدعائية والأموال الكبيرة التي تصرف من قبل عدد من المرشحين، تدل على وجود مال سياسي وفساد في مؤسسات الدولة، فبعض الأموال التي صرفت تفوق كثيرا رواتب عضو مجلس المحافظة لأربع سنوات قادمة، وهذا لوحده موضع تساؤلات عديدة”.
وأقر البرلمان قانون الأحزاب، في العام 2015، وهو الأول من نوعه في العراق بعد 2003، ويعنى بتنظيم عمل الأحزاب ومصادر تمويلها التي تشتمل على اشتراكات أعضائه، التبرعات والمنح الداخلية، عوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون، الإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون، عند استلام التبرع، يتم التحقق من هوية المتبرع وتسجل في سجل التبرعات الخاص بالحزب، فيما يتم نشر قائمة أسماء المتبرعين في جريدة الحزب، ويمنع التبرع للحزب بالسلع المادية أو المبالغ النقدية المعدة أصلا لكسب منفعة غير مشروعة للحزب أو للمتبرع، كما لا يجوز للحزب السياسي أن يتسلم التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتيا، من الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأسمالها من الدولة.
من جانبه، يبين عضو مجلس إدارة شبكة عين لمراقبة الانتخابات، علاء الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ضوابط الحملات الانتخابية واضحة، لكن توجد الكثير من المخالفات من قبل أغلب الكتل السياسية ومرشحيها، إذ أن هناك تجاوزا على الأبنية والممتلكات العامة، واستغلالا لموارد وإمكانات الدولة من قبل المرشحين الذين يشغلون مواقع حكومية، وهو خرق واضح ومخالفة لتعليمات مفوضية الانتخابات”.
ويتابع الأسدي، أن “المال السياسي واستغلال موارد الدولة سيساهم حتما في توجيه رأي الناخب صوب من يملكون تلك الأموال والنفوذ السياسي والحكومي، وبالتالي لن يكون هناك تكافؤ وعدالة بالمنافسة مع المرشحين المستقلين”، واصفاً “إيقاف توزيع الأراضي السكنية وبعض الأنشطة بالمحافظات وترويج طلبات الرعاية الاجتماعية، بأنه دليل صريح على وجود استغلال للنفوذ والمال الحكومي في الدعايات الانتخابية، على الرغم من إنه ليس قراراً حازماً من قبل الحكومة المركزية”.
وفي كل انتخابات يتجدد الحديث عن استخدام موارد الدولة من قبل المسؤولين المرشحين فيها، وفي الانتخابات النيابية السابقة التي جرت في عام 2021، شدد رئيس الحكومة آنذاك مصطفى الكاظمي، على رفضه التام لاستغلال الوزارات لأغراض انتخابية، بعد أن تم الكشف عن شكاوى تخص إجراءات بعض مفاصل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وشبهات باستغلالها لأغراض انتخابية على حساب قوت الفقراء، وذلك من خلال دعم بعض المرشحين بما يخص رواتب الرعاية الاجتماعية.
إلى ذلك، يبين مدير مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، في كربلاء، علي الحديدي، أن “المفوضية، أصدرت نظاما خاصا بالحملات الدعائية لانتخابات مجالس المحافظات، حددت فيه مجموعة من الضوابط والأماكن المسموح بوضع ملصقات الدعائية الانتخابية، بالتنسيق مع دوائر البلديات”.
ويلفت الحديدي، إلى “تشكيل 34 فريقا جوالا لمتابعة الحملات الدعائية في كربلاء، ورصد المخالفات والخروقات من قبل المرشحين، ونتبع آلية تنبيه المخالفين للضوابط ومطالبتهم بإزالة المخالفة خلال ثلاثة أيام، وبخلافه نعمد على إزالتها وفرض غرامات مالية عليهم”، مؤكدا أن “فرق المفوضية رصدت عددا كبيرا من الخروقات في الدعاية الانتخابية من قبل المرشحين، فضلا عن رصد تجاوزات على ملصقات عدد من المرشحين وتمزيقها”.
يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أصدر قرارا بوقف توزيع قطع الأراضي لما بعد الانتخابات حتى لا تستغل انتخابيا، لكن حتى هذا القرار جرى خرقه من قبل بعض المحافظين المرشحين للانتخابات، وهذا إلى جانب قرار وزارة التربية بمنع دخول المرشحين للمدارس.