سعد رزاق الأعرجي
أصبحت الآهات والاستغاثات والتسول والبكاء تطاردك أينما كنت في الشارع العراقي، سواء تصنع ام حقيقة، وما ان تصل إلى أقرب تقاطع حتى يتجلى لك كل شيء، ثمة طفلة على يسارك لايصل رأسها المرآة الجانبية تطرق باناملها الصغيرة زجاجة سيارتك وبوجه بائس تطلب مساعدة، في ذات الوقت ترى شابا على يمينك منشغلا بتنظيف الجزء الأيمن من الزجاجة دون استئذان فتحتار مع من تتحدث هل تعطي الطفلة شيئا من النقود أم تمنع الشاب من مواصلة مسح الزجاجة وكيف تستطيع أن تقنعه بأن السيارة خارجة للتو من الغسل حقا انها حيرة، فإن نهرته رمقك بعين وقحة وتركك للذي يليك.
قال لي صديق مختص بالعلوم الاجتماعية ان طبيعة عملي جعلتني ابحث حالات جنوح الشباب وسبب تشردهم، يقول انه رأى صباح ذات يوم، سيارة أجرة صغيرة يستقلها رجل كبير السن ومعه أربعة أطفال لاتتجاوز أعمارهم سن العاشرة في المقعد الخلفي، فدفعني الفضول لمعرفة مايدور، قام الرجل الذي يجلس في المقعد الأمامي بالإشارة لاثنين من الأطفال بالنزول في التقاطع ففعلوا، ثم سارت السياره حتى وصلت إلى التقاطع الآخر فنزل الاخران وتوجهوا فورا إلى العمل، فأيقنت والحديث لزميلي ان هذه تجارة وان هذا الرجل قد استعبد هؤلاء ليعملون في مهنة التسول حتى آخر النهار ويختفون ليلا،، فكيف لايصبح هؤلاء أسرى للضياع والأمان والانهيار الأخلاقي، كل هذا هو نتاج التنافر الشديد بين القيم الاخلاقية والقيم المادية والتي تؤدي إلى خلق حالة من الصراع بين الأسرة الواحدة والضحية هم الأبناء. والتسول من أخطر حالات الاستسلام للانحراف لانه يخضع الحدث الجانح إلى الانبهار بالتيار المادي والتأثر به.
أن الذي يجنيه هذا الحدث المشرد من الشارع، يذهب اما إلى الطعام او التدخين او إلى المخدرات وسط مغريات أصدقاء السوء وبذلك دخل عنصر جديد إلى المدمنين.
أن لظاهرة التسول صور عدة، فبالإضافة إلى ماذكرناه سابقا فإن المتسولون اتخذوا عدة اساليب ومظاهر للاستجداء مثل العوق والمرض وكبر السن، فتشاهد امرأة متوسطة العمر ترتدي خمارا أسودا تتردد على عيادات الأطباء وعلى كتفها طفل بملابس رثة، وشاب اخر بملابس نظيفة يحمل (بوسترات) مطبوعة تحمل عنوان (مناشدة من جمعيةالصم والبكم) وعليك أن تتعاطف معه وتمنحه مبلغا معينا.
قبل عقد من الزمن ظهرت حالة خطيرة في كربلاء الا وهي انتشار مجموعة من الفتيات بعمر الزهور في منطقة الحي الصناعي، فهؤلاء الفتيات لايتصنعن الفقر والبؤس، بل تطلب منك المال بكل وقاحة وجرآة لأنها اعتادت العمل مع أصحاب الحرف في هذا الحي، فهي لاتتردد بالدخول داخل المحل والدخول مع صاحب المحل بحديث وقح وجريء حوار يخدش الحياء لايمكن أن يصدر من فتاة.
اثبتت الدراسات المختصة ان جنوح هذه الفتيات لم يأت من فراغ فهن لايعملن بارادتهن بل بالاجبار من قبل ذويهن ان لم يكن لقيطات. وان اكثر من 50 بالمائة من الجانحين هم من الذين تركوا الدراسة وهجروا بيوتهم نتيجة التفكك الأسري او الانحلال الأخلاقي داخل العائلة.
أن العامل البيئي يتمثل بفقدان السيطرة على العائلة فتغيب الرقابة والإهتمام ومع العوامل الاقتصادية يكتمل عقد الجنوح للأطفال فيترك كل شيء مرغما ويتجه نحو المجهول فتكون نتيجته متوقعة اما خلف القضبان او تحت الثرى.