هادي جلو مرعي
الذي أفهمه إن الدكتاتوريات في العالم قد لاتذهب بعيدا في ملاحقة النساء والأطفال، وربما تستمر في ملاحقة المعارضين، ومن تشك بولائهم، لكن ماتقوم به إسرائيل هجين غريب من التسلط والدكتاتورية والعدوانية الكاملة، وعدم التمييز بين الرجل والمرأة، وبين الطفل الصغير والشاب، والرجل الكبير في تعاملها مع الفلسطينيين. فقد سجلت ذاكرة الشعب الفلسطيني أشكال من التعذيب والتكيل والتجويع والتعطيش، وحتى التبريد في الأيام المثلجة، وفتح النوافذ الواسعة ليمر الهواء شديد البرودة، بغرض نزع إعتراف، أو بغرض الإهانة والإيذاء والإقصاء، حيث يكبر الأطفال، ويشبون، ويصلون الى مرحلة الرجولة داخل السجن كما حصل مع ثلاثة من الأطفال أعتقلوا عام 2002 الذين دخلوا السجن وهم أطفال، حتى بلغوا هذا العام الحادية والعشرين من العمر وعاشوا حياتهم في زنازين سيئة وقذرة ومزرية وبائسة، بينما تروي الفتيات الصغيرات أشكالا من التعذيب والتنكيل حيث يعتقلن من مدارسهن، ويتم إقتيادهن الى مراكز الإحتجاز، ويضربن ويجوعن، ويحرمن من لقاء العائلة، ويمنع عنهن الطعام والشراب والثياب، وحتى المنظفات ومعجون تنظيف الأسنان.
يبهرني ذلك البيت من الشعر الذي يصف حال الطفولة، والعدوان على براءة الصغار الذين يجبرون على المواجهة حين لايجدون بدا من أن يكبروا، ويغادروا طفولتهم الى رجولة مبكرة ليفعلوا افعال الرجال، ويتكلمون بطريقتهم، ويعتادون على كبرياء الفرسان، ويتركوا الدعة والطمانينة الى نوع التحدي في مواجهة غطرسة يرى أصحابها انهم جديرون بها، وإن العالم كله صار تحت سطوتهم، وإن على الشعوب ان تستسلم لهم كما هو الحال مع اطفال فلسطين الذين نضجوا قبل اوان نضوجهم لان قضيتهم لاتحتمل إلا عزيمة الرجال حتى لو إستنفر صغارهم، وواجهوا الطبيعة التي عليها الجسد والروح والعقل وكبروا سنين الى الأمام ليحملوا هما لم تستطع حمله الجبال.
يقول الشاعر في ذلك البيت:
ماهزه وحروف الله في فمه
إن الصغار لغير الموت قد خلقوا
لم يحتمل المحتل أن يواجه الطفولة كما ينبغي لأنه يستشعر الرفض من أولئك الصغار المتحدين الذين وقفوا في الشوارع رفضا للهمجية والعدوان، ومحاولة الإستيلاء على الحقوق، وقرروا مواجهة أحكام بالسجن والإحتجاز القسري، فحياة في ظل الإحتلال هي سجن كبير، بينما السجن الصغير فتتوفر فيه عوامل وصول الى الضمير أفضل، مع إنه ضمير عالمي غائب متجمد يرتجف من البرد، وينكمش وينحسر.
لكن كيف لمن يريد مصادرة كل شيء من أجل وهم البقاء والدوام أن يفهم معنى الطفولة والوجود الإنساني والغاية من الحياة خاصة حين يتسلح بمفاهيم مغلوطة وأفكار إقصائية، ونوايا عدوانية مبيتة تستسيغ فعل كل سؤء من أجل غاية غير صالحة.