دعوة للحوار
حول إصلاح النظام السياسي في العراق
الأفكار والتصورات المطروحة هنا بشأن إصلاح النظام السياسي العراقي هي للتدوال والبحث والحوار بين أصحاب الاختصاص والاهتمام من أساتذة الأنظمة السياسية والقانون الدستوري، ومراكز الدراسات، والأحزاب السياسية العراقية، من كل الأطياف والاتجاهات الدينية والمذهبية والقومية والفكرية؛ بهدف إثراء الموضوع علمياً، لكي يخرج التصور النهائي مدروساً بعناية، ومعبراً عن إجماع وطني نسبي، وليس مجرد قرار سياسي.
إن النظام السياسي البرلماني الذي أفرزته العملية السياسية بعد العام ٢٠٠٣ وكرّسه دستور العام ٢٠٠٥، مليء بالثغرات القانونية والخلل النُظمي، وبمسارب الشلل والفساد والفشل. وما الديمقراطية التوازنية التوافقية والمحاصصة الطائفية والقومية والسياسية، إلّا نتاجاً طبيعياً لهذا النظام السياسي المشوّه ولادياً. صحيح أن هذا النظام يمثل في أفكاره العامة وآلياته، طفرة نوعية في النظم السياسية العراقية منذ العام ١٩٢١، إلّا أنه أخفق في تمثيل الطموح الذي كان ينتظره الشعب العراقي بعد إسدال الستار على النظم العسكرية الدكتاتورية الدموية التي حكمت العراق (٤٥) عاماً.
ولا تتوقف مشكلة هذا النظام عند شكله وهيكله، ولا في الأساليب التي تعارفت عليها القوى السياسية العراقية في تشكيل الحكومة وباقي سلطات الدولة؛ بل تمتد الى القواعد الدستورية التي يقف عليها هذا النظام. ولذلك؛ فإن الخطوة الأولى باتجاه التغيير الحقيقي في العراق؛ تتمثل في تعديل الدستور بما يحقق سد جميع الثغرات، وإنشاء نظام سياسي جديد، أكثر فاعلية ونجاحاً. وهذا التعديل كفله دستور العراق الحالي (دستور العام 2005). مع التأكيد على أن خطوة تعديل الدستور وإصلاح النظام السياسي، ينبغي أن تتم هذه الخطوة في إطار حزمة إصلاحات دستورية وقانونية وسياسية وإدارية واحدة.
ويمكن طرح نظامين سياسيين للدراسة؛ كخيارين بديلين للنظام السياسي البرلماني العراقي الحالي، هما:
1- النظام الرئاسي، الذي يطبقه أكثر من أربعين دولة على مستوى العالم، ونموذجه الناجح النظام السياسي البرازيلي.
2- النظام شبه الرئاسي (الرئاسي ـــ البرلماني المختلط) الذي يطبقه عدد ممائل من الدول، ونموذجه الناجح النظام السياسي الفرنسي.
وأرى أنهما الأكثر انسجاماً مع الأنظمة الجمهورية ومع الواقع العراقي، والكفيلين بالقضاء على أغلب أنماط المحاصصة السياسية والحزبية، واجتثاث أغلب جذور الفساد والفشل والخلل والشلل، وإلغاء آلية الديمقراطية التوازنية التوافقية، وتطبيق آلية ديمقراطية الأغلبية السياسية.
يستند النظام الرئاسي الى قواعد النظم الجمهورية الديمقراطية نفسها، من ناحية وجود السلطات الأساسية المستقلة الثلاث للدولة: التنفيذية والتشريعية والقضائية. ويتميز هذا النظام عن النظام البرلماني والنظام شبه الرئاسي، بأن رئيس الجمهورية هو الذي يترأس السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء، وهو أيضاً القائد العام للقوات المسلحة. ويتم انتخاب رئيس الجمهورية في النظم الرئاسية الديمقراطية انتخاباً مباشراً من الشعب لأربع أو خمس سنوات، تجدد لمرة واحدة فقط. ويقوم الرئيس المنتخب باختيار كابينته الوزارية وعرضها على البرلمان لمنحها الثقة، سواء لكل الكابينة دفعة واحدة، أو لكل وزير بشكل مستقل. كما يعين الرئيس نائباً له، ويستعين بعدد من المعاونين.
وفي بلد كالعراق عاني طويلاً من نظمه الدكتاتورية الفردية التي تحمل مسمى النظام الرئاسي زيفاً؛ ينبغي تكثيف عملية التوعية بالفرق الشاسع بين النظام الرئاسي الديمقراطي المقترح، والنظم الرئاسية الدكتاتورية الفردية التي حكمت العراق أكثر من أربعة عقود. كما يمكن وضع كوابح دستورية وقانونية تحول دون حصول أي لون من ألوان التفرد من جانب الرئيس، ولا سيما القوانين التي تفعل الرقابة والمحاسبة من السلطتين التشريعية والقضائية.
أما النظام الرئاسي ـ البرلماني المختلط (شبه الرئاسي)، فإنه يستند غالباً الى قاعدة تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية المنتخب إنتخاباً شعبياً مباشراً، ورئيس الوزراء الذي يترأس ترشحه الأغلبية السياسية البرلمانية. وهذا التقاسم التكاملي في صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، يحول دون تفرد إي منهما في القرار. أي أن النظام السياسي شبه الرئاسي، يجمع بين إيجابيات النظام الرئاسي وإيجابيات النظام البرلماني، ويتجنب سلبياتهما. ولكن لا بدّ من حسم أي احتمال للتعارض في الصلاحيات والقرارات التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.