تقارير وتحقيقات

“سمّ في فنجانك”: الأواني البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد تهدد صحة العراقيين

خالد الساعدي

رغم التحذيرات المتكررة من الجهات الصحية، لا تزال الأواني والأكواب البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد تُستخدم على نطاق واسع في المقاهي والمناسبات والمطاعم الشعبية في العراق. هذه العادة اليومية قد تبدو بسيطة، لكنها تخفي وراءها تهديداً حقيقياً لصحة ملايين الأشخاص، وفق ما تؤكده دراسات طبية وعلمية حديثة.
تشير أبحاث منشورة في دوريات طبية مرموقة إلى أن هذه الأواني، عند تعرضها للحرارة أو الأحماض، تطلق مواد كيميائية سامة تتسرب إلى المشروبات والأطعمة. من أبرز هذه المواد “بيسفينول أ” (BPA)، وهي مادة تؤثر على التوازن الهرموني في الجسم وترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني، بحسب دراسة نُشرت في Journal of the American Medical Association عام 2008.
كما تُستخدم مواد أخرى مثل الفثالات (Phthalates) لتليين البلاستيك، وهي معروفة بتأثيراتها السلبية على الخصوبة ونمو الأطفال وتوازن الهرمونات. ووفقاً لدراسة نشرتها مجلة Environmental Health Perspectives، فإن هذه المواد يمكن أن تؤثر على الجهاز التناسلي الذكري ومستويات هرمون التستوستيرون حتى عند التعرض لها بكميات ضئيلة.
ويحذر خبراء من أن إعادة استخدام هذه الأواني، وهي ممارسة شائعة بين كثير من المواطنين، تزيد من تفكك جزيئات البلاستيك وتسرّب المواد السامة، إضافة إلى احتمال تلوثها بالبكتيريا. وقد أكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أن هذه المنتجات غير مصممة لتحمّل الغسل أو التعقيم، ولا يجب استخدامها أكثر من مرة واحدة.
من جهتها، دعت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال في تقرير صدر عام 2018 إلى تقليل تعرض الأطفال والحوامل للمواد الكيميائية الموجودة في بعض أنواع البلاستيك، معتبرة أن لها تأثيرات محتملة على نمو الدماغ والجهاز العصبي. كما تصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) مادة الستايرين (Styrene)، المستخدمة في صناعة الأكواب الرغوية (الفوم)، على أنها “مادة محتملة التسرطن”، مما يعزز من حجم القلق حول استخدامها المتكرر في تقديم الشاي والقهوة الساخنة في الأماكن العامة.
وعلى الرغم من كل هذه التحذيرات، يرى بعض المواطنين أن الأمر مبالغ فيه. يقول أبو علي، صاحب مقهى شعبي في بغداد: “نحن نستخدم الأكواب البلاستيكية منذ زمن ولم نر أي تأثير مباشر بسببها كما انها رخيصة وسهلة الاستعمال ومتوفرة بكل مكان، والزبون يرتاح لسهولة استخدامها”.
في المقابل تعبر أم زهراء ربة بيت من الكاظمية عن موقف مختلف قائلة: “صرت أستعمل قدور زجاجية وأكواب ستانلس لأولادي، بعد ان سمعت من الأطباء أن البلاستيك يضر خصوصاً مع الحرارة على الرغم من ارتفاع أسعارها، ولكني أحاول احافظ على صحة اولادي”.
الطبيب الاستشاري محمد جبار يقول إن “الحد من التأثيرات الصحية للبلاستيك نحتاج إلى جملة من الإجراءات الوقائية والعلمية في المقدمة تقليل الاعتماد على الأواني والأكياس البلاستيكية في حياتنا اليومية، واستبدالها بمواد أكثر أماناً كالزجاج أو الفخار كما يجب أن يكون هناك دور واضح للجهات الحكومية عبر فرض رقابة مشددة على البلاستيك المستخدم في حفظ الأغذية والمشروبات ومنع الأنواع الرديئة المنتشرة في الأسواق”.
ويضيف: “من المهم أيضاً إطلاق حملات توعية لتثقيف الناس بخطورة تسخين الطعام أو الشراب في أواني بلاستيكية، وتشجيع إعادة التدوير للحد من تراكم النفايات، نحن بحاجة كذلك إلى دعم الأبحاث العلمية التي تدرس علاقة البلاستيك بالأمراض الهرمونية والمناعية، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول التي فرضت قيوداً على الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام” هذه الإجراءات مجتمعة يمكن أن تخفف كثيراً من المخاطر الصحية والبيئية التي نراها اليوم في عياداتنا”.
ومن جهته أكد مدير قسم الصحة العامة في وزارة الصحة، الدكتور رياض عبدالامير أن “الوزارة تتابع عن كثب ملف الاستخدام المفرط للبلاستيك وتأثيراته الصحية والبيئية”، مبينا أن “التعليمات الصادرة شددت على ضرورة حفظ قناني المياه البلاستيكية في ظروف صحية مناسبة بعيدًا عن أشعة الشمس وعدم إعادة استخدامها بشكل عشوائي، لما لذلك من مخاطر على صحة المستهلك”.
و دعا إلى التوجّه التدريجي نحو استبدال الأكياس البلاستيكية بالورقية في المخابز والأسواق انسجامًا مع التوجهات العالمية للحد من التلوث، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن وزارة الصحة تراقب بدقة العبوات البلاستيكية المستوردة والمعاد تدويرها، ولا سيما تلك المخصصة لحفظ الأغذية، للتأكد من مطابقتها للمواصفات الصحية.
وتابع إن “هذه الإجراءات تندرج ضمن استراتيجية وزارة الصحة الرامية إلى حماية صحة المواطن العراقي والحفاظ على البيئة من التلوث البلاستيكي المتزايد”.
المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية لؤي المختار في حديث متلفز يقول ان: “الاستخدام المفرط للأواني البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد يمثل خطراً مزدوجاً، صحياً وبيئياً، إذ إن البلاستيك لا يتحلل بسهولة ويتسبب بتلوث التربة والمياه، فضلاً عن المواد الكيميائية التي تنتقل إلى جسم الإنسان”.
وأضاف: ان ” الوزارة أعلنت عن التزامها باتخاذ خطوات لتقليل التلوث الناتج عن البلاستيك، ومن ذلك إصدار تشريعات لتقييد استخدام المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وتعزيز برامج إدارة النفايات وإعادة التدوير، وتحديث المواصفات القياسية للمنتجات البلاستيكية من حيث السلامة الصحية والكيميائية”.

تم إنتاج هذا التقرير بدعم Social Justice Fund ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr (فرع العراق).

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى