تشير تصريحات المسؤولين العراقيين إلى أن زيارة الوفد العراقي الكبير بدرجة غير مسبوقة إلى الصين تمثل تحولا جديدا تضع فيه بغداد جميع بيضها في السلة الصينية، وقد يؤدي ذلك إلى إثارة حفيظة الإدارة الأميركية، التي تخوض صراع نفوذ متعدد الأوجه مع أثارت زيارة رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي إلى الصين آراء متباينة بشأن أبعادها وفرص نجاحها بعد أن صاحبها ترويج واسع لإمكانية أن تأخذ الصين على عاتقها قيادة نهضة اقتصادية عراقية.
وقال مراقبون في تعليقات ساخرة، إن الزيارة عطلت عمل الحكومة، بعد أن ضمت معظم الوزراء وكبار المسؤولين وصولا إلى جميع محافظي المحافظات العراقية، الأمر الذي يكشف عن رهان غير مسبوق على التجربة الصينية، خاصة أن العراق في قلب طريق الحرير التاريخي، الذي تسعى بكين لإحيائه.
ودعا رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الجمعة الشركات الصينية والعالمية إلى الإسهام في “نهضة العراق وإعادة بناه التحتية” وذلك خلال مشاركته في أعمال مؤتمر التصنيع العالمي الذي يعقد حاليا في مدينة خيفي الصينية.
وشدد على أهمية زيارة الصين ووصفها بالمفصلية وأن الإعداد لها تم بشكل مبكر. وذكر أن حجم التبادل التجاري بين بغداد وبكين يبلغ حاليا نحو 30 مليار دولار سنويا وأنه يميل لصالح العراق بسبب الصادرات النفطية.
وأكد أن العراق يسعى لأن يصبح محورا أساسيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تتضمن خطط استثمارات تصل إلى تريليونات الدولارات وتمتد عبر مسارات برية وبحرية تضم أكثر من 65 بلدا.
وتعهد عبدالمهدي بعد لقائه بنظيره الصيني لي كيشيانغ بضمان تذليل العقبات من خلال لجنة مركزية لتأمين الظروف والفرص أمام الشركات الصينية والعالمية، ومن المقرر أن يجتمع خلال الزيارة بالرئيس الصيني شي جينبينغ.
ويبدو أن الرهان العراقي يقابله ترحيب صيني كبير، بعد أن مُنح الوفد العراقي مكانة ضيف الشرف في مؤتمر التصنيع العالمي.
وتعكس البيانات نموا كبيرا للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث وصلت الاستثمارات الصينية في العراق إلى نحو 20 مليار دولار، في وقت استأثرت فيه الشركات الصينية بمعظم عقود النفط الجديدة، إضافة إلى تزايد حصة العراق في واردات النفط الصينية وإبرام الجانبين اتفاقات لتخزين النفط العراقي في الصين.
ويأتي التحول العراقي نحو بكين في وقت تتسابق فيه دول كثيرة نحو الصين التي تعد بمشاريع عملاقة للبنية التحتية دون أجندات سياسية مثلما هو الحال مع تجارب سابقة مع الدول الأوروبية، لم تحقق وعودها الكبيرة.
ويشهد النفوذ الاقتصادي الصيني نموا هائلا في معظم أنحاء العالم ويمتد في بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق أوروبا والشرق الأوسط وصولا إلى الكثير من حلفاء واشنطن في أوروبا الغربية مثل البرتغال وإيطاليا واليونان.
كما بدأت دول رئيسية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بمراجعة مواقفها المتحفظة من السياسات الصينية لتحاول اقتناص الفرص الكبيرة التي تعد بها الاستثمارات الصينية، رغم ضغوط واشنطن.
ويمكن لفتح أبواب العراق أمام النفوذ الاقتصادي الصيني أن يثير حفيظة إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تخوض مواجهات كثيرة على الصعيد التجاري والاقتصادي لمواجهة الصعود السريع للنفوذ الاقتصادي الصيني.
وكانت واشنطن قد مارست ضغوطا على بغداد لمنح شركات أميركية مثل جنرال إليكتريك عقودا كبرى في مشاريع الكهرباء العراقية، لكنها تواجه انحيازا عراقيا لشركات مثل سيمنز الألمانية وشركات صينية.
وكشفت مؤسسة إنرجي إنتليجنس أمس، نقلا عن مصادر مطلعة أن بغداد تتجه لاختيار شركات صينية لتحل محل إكسون موبيل في مشروع عملاق للبنية التحتية النفطية.
وكان عبدالمهدي قد ذكر أن زيارة الوفد العراقي إلى الصين “هي استكمال لما تم توقيعه من اتفاقات في عام 2015 وتهدف لوضع التفاصيل وتفعيلها” وأضاف “هناك عمل مستمر مع الصين، ولدينا صندوق معها غطاؤه النفط”.
وأوضح أن “الصين من الاقتصاديات المهمة في العالم ولديها سيولة كبيرة ووصلت إلى درجات عالية من التقنية والتكنولوجيا… ونطمح أن تكون الصين شريكة للعراق في مسألة البنى التحتية”.
ويرأس عبدالمهدي وفدا كبيرا يضم 55 مسؤولا كبيرا ويتكون من 9 وزراء، بينهم وزراء الدفاع والداخلية والنفط، إضافة إلى 16 محافظا وعدد من المدراء والمسؤولين والمستشارين والخبراء.
وكشف أن الزيارة ستتضمن توقيع اتفاقيات للتعاون في قطاعات الأمن والصناعة والزراعة وبناء المدارس والمستشفيات والإسكان والطرق والقطارات والجسور في العراق.
20 مليار دولار حجم الاستثمارات الصينية في العراق التي تتركز بشكل أساسي في قطاع النفط
وقال “إننا نأمل ونطمح أن تنجز قيادتا البلدين أكثر آمالهما تعلقا بمنجزات حقيقية تمكث في الأرض بما ينفع بلدينا وشعبينا، وأن ننجز ذلك عبر مبادرة الحزام والطريق والربط الوثيق بين الشرق الأدنى والشرق الأوسط”.
وأضاف أن العراق بدأ “عهدا جديدا من الاستقرار وأنه يتجه اليوم نحو الإعمار والاستثمار الأمثل للطاقات والموارد البشرية والطبيعية، كي تعمل على أرض العراق آلاف الشركات وتتنافس على الفرص الاستثمارية الواسعة في جميع المحافظات”.
ووجه دعوة للشركات الصينية “للعمل والاستثمار في قطاعات الطاقة والاتصالات والطرق والسدود والمياه والزراعة والصناعة والبنى التحتية، المدعومة ببيئة تشريعية مشجعة وظروف آمنة وتطلع لتوفير فرص عمل لآلاف المواطنين”.
وشهد العراق نموا كبيرا لمشاركة الشركات الصينية في مشاريعه منذ عام 2003 حيث تستثمر في تطوير الحقول النفطية وأبرزها حقل حلفاية ومجموعة حقول ميسان وحقل الأحدب وشرقي بغداد.
كما تقوم بدور أساسي في مد خطوط الأنابيب النفطية فضلا عن أن الشركات الصينية تستورد يوميا ما يصل إلى 800 ألف برميل من النفط الخام العراقي.
ويرى محللون أن الطموحات العراقية بمشاركة الصين بشكل واسع في نهضة اقتصادية شاملة قد تصطدم بضعف الاستقرار الأمني وانتشار الفساد، إضافة إلى التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، والذي تنعكس تداعياته على الساحة العراقية.