حسين عبد الأمير شلش
في كتابه الرائد (ثروة الأُمم) والذي نُشِرَ في عام (1776) يقول “آدم سميث” (1723/ 1790م): “عندما يتعلّق الأمر بالمنافسة، فإنّ الطموحات الفرديّة للمتنافسين تخدم السوق ككلّ وتجعله أفضل، ويمكن القول بأنها تحقّق المصلحة العامة”.
وعلى الرغم من الأهميّة القصوى لنظريّة (سميث) بشأن مفهوم المنافسة والتي ما زالت فاعلة – إلى حَدٍّ ما – حتّى الآن، لكنّها لم تَسلَم من اخفاقاتٍ عِدّة كرؤيةٍ اقتصاديّة غير مُبرّرة، تَمّ تأطيرها بمفهوم المنافسة الاحتكاريّة والتي عزّزت مفهوم (اليد الخفيّة) في التحكّم بآليّات السوق وتعويم مفهوم المنافسة المعروف اقتصاديّاً، وهي أن يكون (المستهلك) و(المنتج) يعملان من أجل تحقيق المصالح وفق الطرق المشروعة، وتعني أيضاً عدم التحكّم في السوق وعدم التدخّل من قبل جمع الأطراف، بغية تحقيق التوازن وتحقيق مستويات عادلة بين مفهومي العرض والطلب لتحقيق مصالح جميع الأطراف.
وبالعودة إلى (آدم سميث) فأيضاً يرى أن الأسعار هي الضمانة الأهمّ لديمومة المنافسة، فلو قام أحد المنتجين برفع الأسعار بشكلٍ غير مقبول، فمن البديهي أن يبرز منافساً لإنتاج ذات السلع بأسعارٍ أقل لكسب المزيد من الزبائن.
وهذا ما ساعد على بروز صراع بين جمهور المُنتجين بخصوص تقلّبات الأسعار واستقرارها في السوق وتبلور أسلوب (التسعير الطارد للمنافسين)، وهو أن يلجأ أحد المنتجين إلى تخفيض الأسعار لبعض السلع بُغية تقويض منافسيه وإحكام سيطرته على السوق وهو ما يعود بالخسائر الآنيّة عليه، لكنه سينجح بتعويض خسائره بعد أن يُبعد جميع المنافسين ويعود إلى رفع الأسعار بشكلٍ مبالغ فيه، وهذا بلا أدنى شكّ يؤدّي إلى تحقيق مفهوم الاحتكار بأبشعِ تمظهراته.
وهذه الآليّات غير القانونيّة هي مخالفات غير مقبولة بكافّة المعايير، وتحتاج إلى ضرورة تفعيل الإجراءات القانونيّة فضلاً عن أهمّيّة الدور الرقابي على المخالفين، للحَدّ من هذه الممارسات التي تعود بالضرر الكبير على المواطن (المستهلك) بشكل خاص، وعلى الاقتصاد الوطني بشكلٍ عامّ.
إنّ آليّات المنافسة السليمة في السوق تُسهم بشكلٍ كبير في الحَدّ من الممارسات الاحتكاريّة واستقرار الأسعار وفق السياقات الصحيحة وتفعيل المستوى الإنتاجي الأفضل على مستوى الجودة والعرض، بالإضافة إلى ضمان حقوق المستهلك وتوفير السلع الأفضل له، ناهيك عن تحقيق مستويات جيّدة من النموّ الاقتصادي للبلد.
كما وتتأتّى أهمّيّة المنافسة الصحيحة من توفيرها لخياراتٍ كثيرة على مستوى المنتوجات والخدمات، فعند المنافسة الصحيحة يسعى (المُنتِج) للابتكار والتجديد من أجل كسب رضا الزبائن (المستهلك) من جهة، ومن جهةٍ أخرى للتفوّق على أقرانه من المنافسين، وهذا يؤدّي بدوره إلى تشغيل الأيدي العاملة بشكلٍ أكبر، مما يعمّ بالفائدة على شرائحٍ واسعة من المجتمع.
إجمالاً، إن المنافسة من الضرورات الأساسيّة في السوق، تؤدّي بالضرورة إلى الإسهام في تقويم الاقتصاد الوطني وإنعاشه، فضلاً عن أنها تلعب دوراً رئيساً في حماية المنتج المحلّي من هيمنة المنتج الأجنبي.
وهذا ما أدركته الحكومة العراقيّة وعَمِلَت عليه، فَشَرَعت بتأسيس (مجلس شؤون المنافسة ومنع الاحتكار) في عام (٢٠٢٣) وفق قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم (14) لسنة (٢٠١٠). لتحقيق مفهوم المنافسة السليمة وتشجيعه والحَدّ من كُلّ أشكال ممارسات الاحتكار، وأيضاً لتوفير أفضل الخدمات والمنتجات وفق معايير الجودة والسوق المستقرّ، فضلاً عن الإسهام في تحقيق الابتكار وتحسين نوعيّة الإنتاج وتحقيق البيئة الآمنة والمستقرّة لجمع الأنشطة الاقتصاديّة.
ومن أجلى مصاديق عمل المجلس، هو تحقيق العمليّة التنافسيّة السليمة وفرض المعايير القانونيّة وتفعيل الدور الرقابي على السوق، من أجل تدعيم المقوّمات الاقتصاديّة للبلد، وأيضاً تحقيق مستويات مُعتدّ بها من الرفاهية للمستهلك، بما يُسهم في تحسين أداء السوق وتعزيز ثقة المستهلك وقطاعات العمل، والإسهام في طمأنة المستثمرين وجلبهم مما يعزّز النموّ الاقتصاديّ.