أحمد يحيى الهنداوي
ان أول مظلوم في الإسلام هو رسول الإسلام أبا القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، وإنّ مظلوميّة النبيّ في حياته هي وحدها كافية لنعيش حالة الحزن والجزع ونُقيم لأجله العزاء والبكاء .
(ما أُذيَ نبيٌّ مثل ما أُذيت) قالها الرسول الأكرم بكل وجعِ وهمٍّ وحزن ، لأن الكثير من المنافقين كانوا يحيطون به ، والذين كانت تدور في أفكارهم مخططات مسمومة عديدة لمستقبل الأمّة ، وللسيطرة على رقاب المسلمين ومع علم النبيّ بهذا الأمر ، لكنّه ولأجل حفظ أصل الإسلام فقد لاذ إزاءهم بالصّمت.
كما أنّ بعض مصاهراته كانت لهذا الغرض أيضاً ، لقد عاشت معه في بيته إحدى زوجاته ، مع علمه بسرعة انقلابها على خليفته ووصيّه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ، ودخولها الحرب معه ، واشعالها نار فتنة الجمل ، وكان العشرات من المنافقين كأبي سفيان ، وطلحة ، والزبير ، وغيرهم يتحلّقون به وقد سكت صلّى اللّه عليه وآله عن الإفصاح عن مستقبل هؤلاء ، وما يضمرونه من روح خبيثة ، ومآرب دنيوية وعدائية ، كلّ ذلك من أجل حفظ الكيان الإسلاميّ ، فأي مظلومية عاشها نبينا بينهم !
لقد عاش النبيّ بين أناس ، سرعان ما راحوا إلى ابنته وعزيزته الزهراء سلام اللّه عليها فظلموها حقها وآذوها ، فأحرقوا عليها باب دارها ، وأسقطوا جنينها ، فتسبّبوا في شهادتها في أسوء حال وهي تشكي ماتعرضت له من ظلم على يد من يسمون أنفسهم (صحابة رسول الله) !
لقد عاش النبي الكريم بين أشخاص جعلوا أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام مدّة خمسة وعشرين عاماً جليس داره ، وحديث الغدير ومئات الوصايا والأحاديث الآخر في محبّة وولاية وإمامة عليّ عليه السّلام جعلوها تحت أقدامهم.
أشخاص في الظاهر هم مسلمون ، لكنّهم مع خليفة النبيّ ووصيّه قد أشعلوا حروبًا وانتهكوا حرماً وأراقوا دماء المسلمين في الجمل وصفّين والنهروان وغيرهن.
عاش النبي محمد صلى الله عليه وآله بين أناساً مسلمون لكنّهم بنَصِّ النبيّ الأقدس ناكثون ومنافقون وقاسطون ومارقون ، أشخاصاً عمدوا إلى فلذة كبد النبيّ وريحانة الرسول وسبطه الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام فسقوه السمّ النقيع فاستشهد مظلومًا ، ثم يدّعون أنّهم مسلمون !
عاش رسولنا بين أشخاص سمّوا أنفسهم مسلمين وصحابة النبيّ ، ثم راحوا إلى فلذة كبد الرسول الإمام الحسين عليه السّلام وأبنائه وأصحابه في صحراء عطاشى وأكبادهم حرّى ، فأعملوا فيهم القتل الذريع بأبشع صورة ، ففصلوا الرؤوس عن الأبدان، وحملوا الرؤوس على الرماح من بلد إلى بلد ، وهم فخورون بما صنعوا ، وساقوا أهل بيت النبيّ ونساء عترته أسارى يجوبون بهم البلدان ، إلى عشرات الجنايات الآخر.
هذه هي مظلوميّة النبيّ في حال حياته ، وبعد رحيله صلّى اللّه عليه وآله أيضا فإنّ مصداق مظلوميّته هم الأشخاص الّذين تسلّطوا على البلدان الإسلاميّة ، وراحوا يحكمونها ويتحكّمون بها ، وقد تسربت إلى أبدانهم ووجودهم الروح الأمويّة ، وساروا على نهج أبا سفيان وهند آكلة الأكباد ، فهم في المسجد الحرام والمسجد النبويّ الشريف ومن على المنابر وفي خطب الصلاة ، يروون ويذكرون أحاديث وحكايات عن أمثال معاوية ، بدلًا عن أمير المؤمنين وأهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الذين راحو يلعنوهم ويشتموهم ، عادوا يذكرون بني أميّة تلك الشجرة الملعونة الخبيثة الّتي طالما حذر النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله الناس منها ، وكل مايجري الان في الأمة الاسلامية من تفكك اجتماعي وضعف دولي وانحلال في الدين ، يعلم به نبينا ويؤلمه ذلك ، فالسلام عليك يارسول الله يوم ولدت ويوم بعثت نبيًا ويوم رحلت مسمومًا ومظلوماً وشهيدًا ، خصيمهم أنتَ يوم القيامة ، (وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون).