مريم الفرطوسي
فكرت ام جاسم صاحبة الـ56 عاماً كثيراً قبل ان تغادر قريتها الى المدينة بسبب الجفاف،والبدء بعمل جديد بعد ان كانت تمتهن صناعة الالبان من جواميسها التي عملت على تربيتهن قبل سنوات وفقدانها الارض التي اكنت تزرعها سنوياً بالخضروات.
ام جاسم الارملة والتي عانت الامرين خلال السنوات الاخيرة بسبب انعدام المياه تماماً مما ادى الى نفوق جواميسها الواحدة تلو الاخرى،لتصبح معيشتها قرب هور الشويجة في محافظة واسط مع اطفالها الخمسة صعبة جدا،لتقول “ان ما حصل مؤخراً من تغييرات مناخية وخاصة تلك التي تسببت في جفاف الاهوار اثرت وبشكل كبير على العوائل وخاصة اللاتي تعاني من فقدان اربابها.
واضافت ان جفاف الهور جعل من الجاموس يبدو ضعيفاً لا يعطي حليباً واصابه الجفاف حتى انتهى الامر بموته،وأشارت ايضاً الى موت المزروعات بسبب فقدان المياه،مما دفعها الى الاقتراض من الاقارب والمعارف الذي اثقل كاهلها وعجزت عن سداده،فهجرت القرية وتوجهت للعيش في مدينة المثنى،وامتهان مهنة جديدة هي حياكة المفروشات بعد ان وفرت لها احدى قريباتها غرفة واحدة تقطنها مع اطفالها.
هذه القصة كانت شبيهه بما حصل لفخرية صاحبة ال(50) عاما،وهي أم لثلاثة أولاد تعاني ايضاً من شظف العيش في إحدى قرى ناحية الوركاء في محافظة المثنى جنوب العراق بعد هجرة فلاحي قريتها إلى المدن بسبب التغيرات المناخية وشحه المياه وجفافها وموت الأغنام جوعا وعطشا حيث كانت تعتمد في الحصول على موردها المالي من تربية الدواجن وبيع منتجاتها لأهالي القرية وليس لها موردا آخر خاصة بعد أن هجرها زوجها بسبب الفقر وتركها وأطفالها في بيت مبني من طين وسقفه من سعف النخيل.
وبين تقرير تحليل السكان الصادر عن صندوق الأمم المتحدة أن الهجرة المستمرة أدت إلى توزيع غير متوازن للسكان حيث ما يقرب من 70 بالمئة من السكان في المناطق الحضرية ، مما يؤثر سلباً على التنمية الزراعية ومن المتوقع أن تقوم النساء والفتيات السير لمسافات أطول للحصول على المياه وجلبها ، مما يعرضهن لمخاطر اكبر من العنف القائم على النوع الاجتماعي ، ويمكن أن يؤدي فقدان سبل كسب العيش إلى زيادة زواج الأطفال وحمل المراهقات ، ونزاعات بين المجتمعات المحلية وفقاً لمؤشر المخاطر المناخية على الأطفال لمنظمة اليونيسيف ، فان الأطفال والشباب معرضون لمخاطر مناخية من متوسطة إلى عالية في العراق ، مع وجود فئات تعاني الهشاشة ومناطق معينة من البلد معرضة لمخاطر اكبر .
العراق الاكثر تضرراً من التغيرات المناخية
بحسب التصنيفات الدولية يعد العراق من ضمن الدول الخمس الأكثر تضررا من التغيرات المناخية وأهمها الاحتباس الحراري وانخفاض مناسيب المياه والتصحر والجفاف وانحسار الأراضي الزراعية والارتفاع الكبير في درجات الحرارة ، وتناقص الإيرادات المائية ما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي بشكل كبير وبالنتيجة على الأمن الوطني بالتزامن مع انضمام العراق لاتفاقية باريس للمناخ في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2021 كذلك يصنف واحدا من الدول التي تعاني من أجهاد مائي كبير بسبب السدود العملاقة التي شيدت من قبل دول الجوار ( تركيا و أيران ) والتي أدت إلى ندرة المياه في نهري دجلة والفرات والاهوار في جنوب العراق .
وبحسب دراسة قدمتها رئيس مؤسسة أليس لحقوق المرأة والطفل في السماوة الدكتورة نور الفرطوسي بعنوان ( المرأة العراقية والتغييرات المناخية) فأن المرأة العراقية عامة والريفية خاصة من الأكثر تضررا بسبب التغيرات المناخية في العراق ، ويعزى سبب الضعف التي تعيشه النساء الريفيات الى اعتمادهن على الموارد الطبيعية في عيشهن وتغذيتهن وعلى الإنتاج الزراعي، وأن هذه الموارد شحت بسبب التغييرات المناخية مما أدى إلى تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالمرأة مع قلة هذه الموارد ، فكانت تأثيرات التغييرات جلية وواضحة بنحو غير متساوي بين الرجال والنساء حيث أن النساء أكثر تضررا وهذا مالوحظ من خلال الزيارات والتوثيق للانتهاكات التي تعرضت لها وزيادة نسب العنف المبني على النوع الاجتماعي وحالات الطلاق والانتحار وغيرها مما أدى إلى فقدان المرأة لهويتها الريفية.
ويرى مختصون أن الحلول المناسبة تكمن في أن تبدأ الدولة بوضع الاحتياطات اللازمة للمستقبل لخطورة التصحر والاحتباس وقلة المياه ، وسياسات تسليم إدارة المياه سواء بالسياسة الخارجية مع دول الجوار أو إدارة المياه الداخلية مثل تنظيم عملية الري من خلال المراشنة ورفع التجاوزات على ضفاف الأنهر واستخدام المكننة الحديثة.