هادي جلو مرعي
في اللحظات الصعبة نفهم معنى الغياب. وأتذكر في العام 2003 وكنت أجوب شوارع العاصمة بغداد، وكيف كانت تلك الشوارع موحشة ومقفرة، ينهشها الذهول، بينما كانت تشتاق الى زحمة الشارع، والرجال الذين يرتدون قمصانهم البيضاء وهم ينظمون السير، ويقفون عند التقاطعات العامة، ويمنعون المخالفات المرورية، ونزق بعض المتهورين، والذين لايعبأون بتطبيق القانون، ولايريدونه، ولايستطيعون تحمل تكاليفه التي يرونها باهظة ومؤذية.
عندما عاد الرجال الشجعان الى مواقعهم، وبدأت مؤسسات الدولة تعاود نشاطها شعر الناس بالأمن والراحة والأمل، وحتى الزحام والمخالفات فهي طبيعة في الشارع ينبغي فهمها وإلا لما كنا بحاجة الى العمل والجهد والمثابرة وتوظيف الطاقات الخلاقة والخبرات لدى الضباط والمنتسبين الذين يواجهون تسونامي السيارات التي تستورد بطريقة عبثية تثقل كاهل الإدارات الحكومية التي يترتب عليها تحمل المزيد من الأعباء وتقديم جهد أكبر يفوق الطاقة، ورغم ذلك نجد الحماس والصبر والتفاني والمثابرة عنوان عمل هولاء الشجعان المخلصين لواجباتهم ومسؤولياتهم المهنية والأخلاقية.
عندما خاطب رئيس الوزراء السيد الكاظمي بعض الإدارات الأمنية وكان خطابه شديد اللهجة لم يكن يريد نسف تلك المؤسسات بل الدفع بإتجاه عطاء أكثر جدية، وعدم الغفلة والإسترخاء التي يسببها الشعور بالطمأنينة والأمن الذي يطبع الحالة العراقية في هذه المرحلة ودليل ذلك أن الزحام عاد في الشوارع حتى منتصف الليل وبدأت محطات الوقود تستمر في تقديم خدماتها حتى وقت متأخر، وكذلك الصيدليات والمطاعم والكافيهات والمحال التجارية.
بادرت مديرية المرور العامة الى تنفيذ توجيهات رئيس الوزراء وضاعفت الجهد، وأخذ الضباط والمراتب يعملون بجهد مضاعف برغم التحديات التي يفرضها الشارع، حيث جرى التأكيد على تفعيل عمل الإشارات الضوئية، وإنسيابية الحركة، وفرز الشوارع المزدحمة عن تلك الأقل زحمة، وتوجيه حركة السيارات إليها لتخفيف الزحام، وصرنا نخضع لإجراءات سلامة ننزعج منها أحيانا لكنها ضرورية لتنظيم حركة السير، ومحاولة لمجاراة حركة بلدان العالم الأخرى، ونحن في بلد يواجه مصاعب عديدة، وتحاصره المطامع والمؤامرات، ولكنه لايستسلم ففيه حياة تنبض بقوة، وتشرق في الظلام.