النهار نيوز
عندما يسيطر عليك وقت طويل للفراغ، تجد نفسك ملزم بالبحث عن شيءٍ يكسره مع حالات الجمود والملل الذي يصاحبه.!
في قاموسنا.. ليس هناك أفضل من متابعة القنوات الفضائية الرياضية، العربية منها والعالمية.. قطعاً ليس للسياسة من مكان بينها، لأنها تشحن وتربي وتعظّم الفتن ليس بين الشعوب حسب وإنما بين أبناء الوطن الواحد..!
نعم الرياضية لننهل منها ونتعلّم ونعرف ما يجري في “روض” المعمورة وكيف يتطوّرون ويتقدمون هم رياضياً ولماذا نحن في تراجع مبرمج وتخلّف أصبح المسيطر..!
تقرير موسّع ظهر أمامنا..
يتحدث بالصورة والصوت حول كيفية صناعة الأبطال في (كوبا)..
ذلك البلد الشيوعي المدقع فقراً المجاور لأمريكا الغنية بكل شيء..!
كوبا المعتمدة على الزراعة وتصدير السكر المصنّع من القصب، إضافة لأفخر أنواع “السيجار” بالعالم كدخل قومي لها وهي من اشتهرت بلفّ السيجار على “سيقان العذارى” إن صح أو صدق النقل..!
أغلب السيارات التي أظهرها التقرير، كانت تعود للستينيّات والخمسينيات وحتى الأربعينيات من القرن الماضي ونادراً ما رأينا سيارة حديثة تعود للسبعينيات..!
أغلب وسائل النقل عندهم (قديمة) وللحيوانات مكانة محترمة للمساهمة بنقل الأفراد والأحمال وقضاء الأعمال..!
فجأة.. ظهرت أمامنا تلك القاعات المتهالكة التي يتوسّط بعضها حلبات الملاكمة وكانت بلا حبال أو زوايا..! أدوات تدريب بدائية مؤلفة من الحديد وإطاراتٍ ضخمة مستهلكة ومطارق عملاقة “جاكوج حديد” بأوزان مختلفة..
“كسر بجمع” مواقع بائسة جداً للتدريب أو صناعة الأبطال العاديين وليس الأولمبيين..!
توزعت مجاميع من المدربين المحليين لعديد الفعاليات وهم يجرون الاختبارات الدقيقة على فئات صغيرة، يقومون بصقلها وتوجيهها وفق برنامج معلومٍ ومن ثمّ ترحيلها للفئة الأعلى حتى الوصول إلى عمر تحت عشرين سنة وهناك يكون التركيز على عمليات الفرز (الحقيقية) من خلال التنافس الجدي في تجمّع يطلق عليه بطولة (منتخبات محافظات كوبا) التي هي بعدد ست محافظات لا أكثر..!
في تلك البطولة السنوية تنصب العيون على المواهب التي تزج في مختلف المنافسات الخاصة بالأعمار من (12 وحتى 20) سنة..
لا ينكر أننا رأينا نظاماً تغذوياً مجانياً مناسباً.. غير مكلفٍ للدولة، يسير عليه الجميع، سواء في المعسكرات التي تتم بالمحافظات أو العاصمة، لأن المعسكرات الخارجية مرفوعة تماماً من القواميس الكوبية ولا يستثنى من ذلك سوى البطولات الرسمية القارية والأولمبية والعالمية لكافة الفئات..!
لم نسمع عن تذمرٍ لأي كوبيٍ أو محاولة مقارنة نفسه مع دول الجوار الغنية، مثل أمريكا وغيرها..!
الكل كان يعمل ويفكّر بالإنتاج وليس المكاسب الآنية، لأنهم وضعوا نصب أعينهم هدفاَ راموا الوصول إليه لعيون وطنٍ وليس (جيب شخصي)..!
المواهب المنتقاة تلحق بمدارس متخصصة بالرياضة وتتلقى بنفس الوقت المناهج الدراسية الاعتيادية على أيدي مدربين ومعلمين تم إعدادهم لصنع البطل وبناءه ثقافياً وفكرياً..!
يغيب الموهوب عن أهله في بعض الأحيان لشهر أو شهرين وحتى ثلاثة، كون المدارس التي يعدّ فيها تتوفّر لها أماكن للنوم والغذاء وأبرزها لا يمكن مقارنته بموقع أسوأ نادٍ عراقيٍ أو منشأة وحتى مسبح وملعبٍ لفرق الهواة..!
قلنا أن الفقر هو المسيطر وغاية الكوبي الذي يتم إعداده تتركّز حول تحقيق إحدى الميداليات الأولمبية أو العالمية والقارية (أهداف كبيرة سامية) وليست صغيرة “حافية”..!
لأن من يحصل عليها يتم فرزه وتمييزه عن أقرانه من خلال منحه راتباً شهرياً مدى الحياة، لا يتجاوز بحدّه الأعلى عن (300$) دولار أمريكي مع تخصيص بيت صغير وسيارة قديمة مناسبة ليعيش البطل وحسب هذه المكافأة “المجزية” في بحبوحةٍ وهي ما سعى إليه باذلاً كل ما لديه لتحقيق حلمه وتجسيدهِ لرؤية..!
ترى كم نصرف نحن في العراق سنوياً مقارنة مع الكوبيين لإعداد المواهب التي إلى اليوم لم نر منها من أعطانا ميدالية أولمبية، بينما وجدنا العشرات منها عند “كوبا” التي لم تكتف بذلك وإنما راحت تصدّر مدارسها بالملاكمة وغيرها من الألعاب كالكرة الطائرة والسباحة والساحة والميدان إلى العالم من خلال كوادرها التدريبية التي غزت ملاعب وميادين وقاعات وحلبات كوكب الأرض..!
نسأل.. ماذا لو عرف الكوبيون ما يصرف للرياضي العراقي “المتقاعد” أو البطل بمختلف الأعمار (أشبال وناشئين وشباب ومتقدمين) ولكل البطولات الشكلية وليس “الأولمبية”..!؟
أو ماذا سيصيبهم في حال إطلاعهم على قانون الروّاد والبطل العراقي..؟
قطعاً ربما نشهد وقتها حملة مستعارة وهجرة كوبية للتجنّس في العراق رغم كل حالات التخويف التي تبثّ من القنوات الجائرة بحملات معلومة لتشويه صورة بلادنا..!
نجحت كوبا الفقيرة لأنّها خططت ومشت على تطبيق البرامج التي أوصلتها إلى الأهداف المرسومة وأعطت الموهبة ما أعانها على التفتّح والإنتاج ورفع علم البلاد ويعزف نشيدها الوطني في المحافل الأولمبية والعالمية رغم انوف “الامبرياليين”..!
ترى ماذا لو امتلك الكوبيون الإمكانيات الموجودة عندنا في العراق رغم حالات عدم الرضا عليها من قبل العراقيين “أنفسهم”..! لأننا وبحسب ما استقيناه من معلومات، فإن ميزانية مخصصة لواحدٍ من اتحاداتنا المركزية، تكفي وتزيد إن تم رصدها لمجمل الرياضة الكوبية التي تعمل وفق النهج الأولمبي الذي يمنع التصرف بالمال المخصص لصناعة البطل وصرفه على الإداريين “منافعهم الخاصة” ويستثنى من ذلك من يعملون بالتدريب أو حقل تعليم المواهب من المفرّغين كلياً وهم وحدهم يتلقون أجور شهرية (وحيدة) تعدّ زهيدة جداً أمام ما يقومون به من خدمات لوطنهم أو ما يحصل عليه أي عراقي مقيّد كرياضي “بس بالاسم”..! “يعني عمل أخو البلاش”..!
فأين الخلل ومن يدلنا على الحل، كي نرى من ينتجون لنا الأبطال الذين يرفعون علمنا عالياً أولمبياً وعالمياً بعد أن تم إنهاك رياضتنا في الملتقيات الإقليمية والعربية الشكلية حتى فقدت كل بريقها الذي كان بل ونضيف بأن الرياضي العراقي لم يعد اليوم ليجاري حتى شقيقه العربي أو صديقه الإقليمي بعد استهلاكه بالكامل..؟!
نحن وأنتم نعرف الخلل وتواجده وكيفية علاجه ولكن هل نجد مسؤولاً حقيقياً يفعل ذلك أو على الأقل دراسة التجربة الكوبية التي اعتمدت شعار الثواب والعقاب..؟
نضرب مثالاً على ذلك..
الطالب الموهوب الذي يخفق في التطوّر أو تحقيق النتائج الموضوعة له، يتم فصله من مدارس الموهوبين “الكوبية” وإعادته إلى المدارس الاعتيادية لإكمال دراسته حتى مرحلة معيّنة لأن التعليم في كوبا إلزامي ومجاني.. ويعوّض من أخرج لأي سبب كان، من خلال الكشافين الذين يقومون بمسح بلادهم “مسحاً” سنوياً وجلب المواهب البديلة..!
من يريد التعرّف على عدد الميداليات الكوبية أولمبياً وعالمياً يمكن له وبكبسة زر واحدة الدخول في (كوكول) ليصدم من العدد ويعود ويقارن بلد مثل العراق وهو الذي كان يشتري السكر من كوبا تصدّقاً ويقدّم المساعدات لهذا البلد الذي وجد الخدمة والإخلاص بالعمل من قبل القائمين على رياضته..
ترى أين الخلل عندنا مع العلم أن ذات الوجوه هم من يتسيدون ولسنوات المشهد الإداري والفني الرياضي وكأن العراق خلا إلا منهم وباتوا الوجه الأوحد في الساحة..!
وكي لا ننسى نكشف هنا بأن ميدالية البصري عبدالواحد عزيز الأولمبية لم تأت بدعمٍ حكومي أو إعداد مكلفٍ، بل جاءت لأن ابن البصرة تحمّل كل شيء حتى وصل به الأمر الاستعانة بمدربٍ مصريٍ مدّ له يد المساعدة خلال معسكرٍ تدريبي أقيم في القاهرة بمعونة مصرية شخصية..!
فهل نجد من يأتي ويردد ما موجود في ذات الاسطوانة (المشروخة) أين الدعم الحكومي..؟
كي يتكسّب ويبقى المسكين رياضي “عراقي” يستجدي لأن هناك من تجاوز على المرصد له..!
دمتم وإن شاء الله لنا عودة هذا “إذا ما صار شي”..!