حسين أحمد الإمارة
– على ساحة تتفرع منها خمسة شوارع..
..شارع يتجه إلى صحن الإمام الحسين عليه السلام. فيه سوق باب السلالمة وسوق الحسين…
..وآخر يتجه إلى باب بغداد( باب العلوة ).
..وثالث قصير يصل إلى محلات بيع الخشب وجذوع النخيل والمواد الانشائية تسمى (السكلة ).
..ورابع يتجه إلى مقام الامام المهدي المنتظر عليه السلام.
..والأخير طريق ملتوي يخترق دور المحلة..
على هذه الساحة تقع ثلاث مقاهي ( كَهاوي) شعبية..
1.كهوة المرحوم.أموري العبد آل شهيب. وهي من ضمن عقار تعود ملكيته إلى المرحوم رشيد النايف. والذي انتقلت ملكية العقار فيما بعد إلى السادة آل ماميثة الكرام.
2.كهوة المرحوم مهدي علو. وتعود ملكية العقار الى المرحوم السيد سعيد الشروفي.
3.كهوة المرحوم أبو شعير .وهي من ضمن عقار المرحوم محسن الاسدي. والد الشهداء..الشيخ جاسم ونعمة ورضا.
وكانت قبل أن تستغل مقهى عبارة عن محل لبيع طعام الحيوانات، من الحنطة والشعير والجت والبرسيم، يديرها المرحوم خضير الأعمى..
4.وفيما بعد افتتحت مقهى رابع تقع مقابل حمام سيد سعيد.
حمام سيد سعيد الشروفي..
هذا الحَمْام يقسم إلى قسمين واحد للرجال وآخر للنساء كلُ على حدة وما بينهما يقع محل سيد وهاب الطويل تصليح وإيجار وبيع الدراجات الهوائية (البايسكلات)
وبجانبه محل سيد عزيز شُبر ،لبيع الثلج والمشروبات الغازية الكوكا كولا. البيبسي. سفن آب. سينالكو. فانتا. تراوبي. ميرندا. وغيرها.
على الجهة المقابلة لمقهى أبو شعير، والمطلة على الساحة يقع محل أموري أبو الثلج. كان مهتماً بجمع كافة التسجيلات الحسينية لكافة القراء .
يليه محل علي باع بيع وتصليح الدراجات الهوائية..
هنا نلاحظ (محلان لبيع الثلج وكذا لبيع وتصليح الدراجات الهوائية ) ضمن حَيْز صغير بسبب زيادة الطلب على هاتين السلعتين..
ثم ياتي محل الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الرزاق.بطيبته وعفويته المعروفة.. كان ينظم الشعر الحسيني ويرتقي المنبر في أيام عاشوراء.
وبجانبه محل عطارية الحديدي .يليه مسجد صغير يقع عند مدخل سوق باب السلالمة.
تزدحم هذه المقاهي عصراً برواد يسكنون المحلة، أغلبهم من الفلاحين والعمال وكذلك القلة من الطلبة والموظفين من أبناء المحلة. أحاديث تدور بينهم كل حسب اختصاصه وكذ ما يدور على الساحة من أحداث سياسية كانت أم اقتصادية وثقافية واجتماعية.
كيف لا وقد خرج من هذه المحلة سياسيون كبار من إتجاهات شتى وفنانين وشعراء ورياضيين مثلوا المنتخبات الوطنية..
بين أصوات مرتفعة وأخرى أقل ضجيجاً تسمع نداء ..
..أبو طالب جيبلي جاي..
..وآخر. وين صرت أبو محمد علي شو النركيلة ما وصلت.
..وآخر يطلب الماء.
..الله بالخير..
. الله بالخير عيوني أبو زينب.
قهقهة من هنا، وسعال من هناك يعتصر القلب من رجل مُسن .
تجمعات خارج حَيز المقهى، فالمكان مباح والشارع ملك لصاحب المقهى .
بصوت جهوري صادر من عبد الأمير ( أبو الشلغم ) الذي اتخذ مكاناً مركزياً للإشراف على المقاهي ،كيف لا وهو الوحيد في هذا المجال. ( يصفي الدم ..إشارة إلى فائدة الشوندر) …
وبين مقهى مهدي علو وبين مقهى أبو شعير يتربع على قسم من الساحة.المرحوم حميد خبازة. تخصص( تكة ومعلاك ) ،وما الذه من شواء، أبو نفس الطيبة..
يخرج أحد المستحمين من حمام سيد سعيد معه ابنه يغطي وجهه اليشماغ الفراتي خوفا من إصابتهم بنزلة البرد، وبيده (بقجة ) هي عبارة عن قطعة قماش مزركشة مربعة الشكل تلف بها الملابس. وهي كلمة تركية وتعني صغيرة.وضع فيها الملابس المتسخة.
يصدر نداء من الجالسين في المقهى….نعيماً أبو محمد، استريح أشرب جاي.
..عيني حجي أبو عباس ممنون والله قبل شويه شربت دارسين بالحمام، شكرا رحم الله والديك.
يمر الوقت مع أحاديث تناقلت بين الحاضرين، ويحين وقت الغروب.
تبدأ الناس بالتفرق كلُ إلى داره.
في المساء يعود البعض منهم وأغلبهم من الشباب لغرض قضاء الوقت ومشاهدة البرامج التلفزيونية..
إضافة إلى أن هذه المقاهي كانت قد اتخُذت مقرات للاحزاب التي ظهرت في تلك الفترة واحتضنت اجتماعاتهم وتعليق لافتاتهم وعقد ندواتهم. ومن هذه الأحزاب…الحزب الشيوعي العراقي..الحزب الوطني الديمقراطي..والقوميين العرب…وحزب البعث العربي. وكانوا اعضاء هذه الأحزاب أخوة وأصدقاء وان اختلفت توجهاتهم ..
..وللفرق الشعبية مكان في هذه المقاهي ،منها فريق الأهرام والازدهار وغيرها، فقد اتخذت مقرات لتجمع اعضاء الفرق،التي كان لها مكانة متقدمة بين فرق المحافظة. .
من الأمور الملفته للنظر هوفي حال غياب أحدهم لأكثر من يومين ،فالكل تسأل عنه، وإذا مرض فزيارته لابد منها وتقديم المساعدة له. وعند وفاة أحدُ من أهل المحلة فالجميع تعطل أعمالها حتى تنتهي مراسيم تشييع الجنازة ..
حادثة لا زالت عالقة في الذاكرة..
عندما توفى جدي لأمي( أميري المحل السلامي ) رحمهم الله .في أواخر الستينات. أعلن الخبر وتجمع أهل المحلة عند مجمع المقاهي.
رفعت الجنازة وتبعها الجميع وفي أثناء مسيرتها في سوق باب السلالمة، اُغلقت جميع المحلات وإشتركوا أصحابها في التشييع. وصلت الجنازة لحرم الإمام الحسين عليه السلام، تمت الزيارة وصلاة الميت عليها ، رفعت لتشييعها إلى صحن أبا الفضل العباس .ع.وبعد أن اكملوا المراسيم، نقلوها إلى مثواه الأخير في حفرة معدة تقع في الإيوان الثاني على الجهة اليمنى من باب العلقمي ليدفن فيها..
عادت جموع المشيعيين إلى مجمع المقاهي، وزع عليهم الشاي وجلسوا يتبادلون ألتعازي والاستماع إلى آيات من القرآن الكريم ،حتى إذا جن الليل تفرق الجميع كلُ إلى داره.
إحياء ذكرى استشهاد الإمام زين العابدين.
في كل عام تشهد هذه الساحة إحياء ذكرى استشهاد الإمام زين العابدين عليه السلام، التي تنظمها هيئة القاسم. وهذه الهيئة مُشْكلة من أبناء المحلة .
ففي العشرين من شهر محرم الحرام ، يتهيأ الشباب لفرش الساحة بالسجاد وتحضير الإنارة وتهيأة المنبر وتحضير أواني الشاي والحطب وغيرها. ويستمر مجلس العزاء لغاية ليلة وفاة الإمام، وتختم بطبخ( أكلة الشلة ) وهي أكلة طعام تتكون من خلط جميع البقوليات ،وهي عادة لأهالي كربلاء.
مواقف ومشاهدات كثيرة لايتسع المكان لذكرها..بساطة العيش وقناعة الناس هي المعادلة في قانون معيشة المجتمع.
أغلب الناس فقراء مادياً ،ولكنهم أغنياء بالقناعة والرضا، والقبول بأبسط الأشياء. فهم يسعون والباقي على رب العباد مُقسم الأرزاق…
رحم الله من غادر الدنيا ممن وعينا عليهم، والصحة الدائمة لأقراننا ممن يرفلون بالحياة الحرة الكريمة..