كاظم الجبوري
بعد التغيير الذي حصل عام 2003 وتجدد الحياة النيابية في العراق، وعادت إلى الواجهة بعض الأحزاب السياسية وتشكلت أخرى، وظهرت الكثير من المصطلحات الديمقراطية التي أختفى وجودها منذ عام 1968 بحكم رابع رئيس جمهورية وبدأ الحكم البعثي الفاشستي وسيادة المد القومي المتطرف والقيادات الثورية وآل مآل إليه العباد والبلاد من نكبات وقمع وفرض قانون الطوارئ، وخسر على أثرها الشعب العراقيّ الكثير من الضحايا والدماء، وحلمت عدة أجيال بتغيير النظام ولكنها لم تنعم بما هو متمنى، وشاء القدر أن يحصل التغيير مرة أخرى في هذا البلد ويمارس الحياة النيابية بشكل اعتيادي وعاصر شعبه خطوات التغيير لحظة بلحظة وفي كل ممارسة يحتفل شعبه بعرس نيابي، وتنجح بولادتها رغم التحديات الكبيرة التي تزامنها. وفي الوقت ذاته والشعب ينتظر تطبيق نظام الدولة المستقر والطبيعي كانت هناك جماعات وأحزاب تسعى للوصول إلى السلطة والتشبث بها على حساب الدستور والقانون، وخطورة هذا الوصول كانت تكمن بالاعتماد على وسائل غير مشروعة كالسرقات وتسقيط الأخر دون تقديم البديل الناجح، وبعيدة عن ( دع عملك يتحدث عنك ) ، لا بل كان جلّ الخطاب السياسي المعتمد مقيت وطائفي ومبني على المصالح الضيقة، وتحديدًا بعد عام 2008 بدأ فيها الانحراف واضح وحقيقي وملحوظ لنظام الدولة بكل المؤسسات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية. وتزايدت الوسائل الغير مشروعة بين كلّ الاتجاهات وأنصهر معها نظام الدولة بالفساد وذابت لا بل انهارت دور الحكومات بالإصلاح والانقاض، وسرعان ما تبددت الأحلام وتراجعت الآمال وتغير الحال، وساد السلب والنهب وتصاعدت الأحقاد وتورات سياسية أقصى الأخر ولو على حساب خيانة البلد وبيع الشرف الحزبي، وتوالت الكوارث وضاعت المشاريع وأصبح النظام غريب الأطوار عجيب القرار، تتحكم به أدوات تحركها أجندات خارجية، وتلاحقت المآسي ليصل بهذا الوطن الوضع إلى قبل عام 1920 وهو تأسيس الدولة بعد رحلة المائة العام، وصار الوطن لا يملك أبسط مقومات الدول البسيطة في العالم الثالث، بل أصبح يدار شأنه بحكم الجماعة أو العشيرة؛ وأمست الأحزاب السياسية لا تعتمد على فكرها بل سادتها الشخصنة، والتيارات الفكرية لا تمتلك أيديولوجية التنظير الثابت، والحركات الجماهيرية غائبة من بين صفوفها سيكولوجية الوعي المثقف، والطبقات البرجوازية عزفت بنفسها عن الجهل المجتمعي السائد، وموظفين الدولة نمى لديهم الشعور اللا مسؤول، ومع هذا كلّه لا توجد أي خطة أو شبة كلام عن إصلاح حقيقي قادم لنظام الدولة. وصارت المرافق العامة كالمؤسسات في الدولة العراقية التشريعية، والتنفيذية- العسكرية والمدنية-، والدوائر الإدارية والقضائية لا ينطبق عليها اسم الدولة وتتعامل بالمحسوبية والمنسوبية وتفشت فيها الرشوة والسطوة والقوة. فالمجالس النيابية متهمة بوصول نواب ليس لهم تمثيل حقيقي والكثير منهم قد حصلوا على تمثيلهم بالتزوير، والمناصب التنفيذية كالوزراء والمدراء العاميّن قد بيعت واشتريت مناصبهم تلك بصفقات سرية، وهذا ما تحدث به بعض النواب، أما المناصب العسكرية فكانت قياداتها موالية لبعض الأطراف والجهات المتنفذة وأغلب أشخاصها الجيدين أحيلوا للميرة، وأما الدوائر الإدارية كالمحافظين ومدراء الاقضية أصبحوا مسيرين غير مخيرين وتتحكم بهم المليشيات والعشائر، وكذلك خضعت مناصبه للمزايدات، وأما القضاء ورد مظالم الناس وهو ما كانت عليه الآمال معقودة ومطمئنة ولكنه للأسف ظهر به الحكم الغير عادل وسيس من قبل الكثيرين، فلم يحاسب سارق ولم يعاتب قاتل، وهذا ما عقد النظام أكثر وجعل مستقبل البلد مجهول ومؤسساته تعاني من الانحطاط النظامي..