بقلم /صباح المنصور
هناك نظرة عامة لدى معظم الشارع العراقي قديما وحديثا عند الحديث عن اي شخص يتقدم لشغل منصب ما في الدولة العراقية او لادارة اي مركز مهم .. فتجد اغلب الناس يضعون معيار النزاهة كشرط اساسي لضمان النجاح في المهمة و يتركون كل مؤهل آخر يمتاز به المتقدم و يذهبون للبحث عن ميوله و هواياته واخلاقه ونوعية السگائر التي يدخنها ويبقون بهذا البحث و التحري ايام وليال ولا يتركون اي زقاق في الانترنت او دربونة قديمة سكن فيها في طفولته او طريق مر به في شبابه آملين في الحصول على صورة قديمة او حادثة عرضية حصلت لجده التاسع عشر في سنين خلت .. فيمسكها الباحث كخيط اسود ليطرز بها سمعة وتاريخ هذا الشخص .. فيهرع الى ميدان الفيسبوك ليقيم بها مزادا علنيا في بيع السمعة وتمزيق الشخصية .. ويتسابق الاخرون لتتبع اخوانه وزوجته وابنائه واقاربه وحتى عشيرته فيبدأون بالتنقيب والحفر عن كل صغيرة وكبيرة حتى تصل الامور الى اسم المطرب الذي يسمعه في شبابه و الاغنية التي يدندن بها في خلوته مع ان كل اولائك الاشخاص غير معنيين بالمهمة التي تقدم اليها .. وبعد كل ذلك التحري والتمحيص تعلن النتائج وتصادق الاحكام وتوضع العراقيل في كل خطوة يريد ان يخطوها .. وتبدا الاتهامات والادانات والتشكيك وصولا الى التسقيط والازاحة من المنصب .. تاركين خلفهم كل الامور المهمة الاخرى والتي تعتبر بمقياس النجاح والتميز هي أس العمل وركيزته الاقوى وفيها ينال المرء درجات النجاح او الفشل .. فلا يكلفون انفسهم في السؤال عن قدرته ومهارته والمنصب الذي كان يشغله سابقا والخبرة التي حصدها في ذلك العمل ولا يسألون عن تحصيله العلمي و الاكاديمي الذي يؤهله لأداء مهمته .. فكل شيء يعارض مابحثوا عنه يذهب فداء الى معايير النزاهة و الشرف التي حددها الباحث نفسه .. وفي الحقيقة ليس هناك اجهزة قياس يتم فيها احتساب مقادير النزاهة ونوعيتها و التي بموجبها يكون المرء نزيها ومؤهلا ..خصوصا اذا ماعرفنا ان تلك الامور لاتظهر في العلن وامام الناس وفي ايام اللامسؤلية .. لانها وببساطة اشياء شخصية يظهر فيها الفرد مايعجب الناس ويخفي عنهم ما يعارض قانون الله والانسانية ولا يمكن اختبارها والوقوف على دقتها الا بالتجربة او عند وضعه على محك الاختبار .. وفوق كل ذلك لم تضع الدولة اي إختبارات للنزاهة في ايام المدرسة او الجامعة لكي يجتازها الطالب ويحصد النجاح فيها ويكتسب هذا اللقب .. ومن ثم يقدمها كوثيقة رسمية عند التعيين و ممارسة المهنة .. فهكذا خصال لايمكن تقييمها و لا الوثوق بنتائجها لانها لا تتم عبر ضمانات مكتوبة او تحددها مواثيق مصدقة .. فهي مجرد تقييمات شفوية بنيت على تصورات افتراضية تقدم نظرة اطمئنان نفسية لدى المواطن لا اكثر وبعدها يكون العمل ومقدار النجاح هو المقياس الحقيقي لاحقية الشخص في تبوء هذا المنصب .. فمعيار النزاهة الوحيد الذي من الممكن ان يجعل من اللص وشارب الخمر والملحد و المؤمن والشريف على خط واحد من التقييم وبنفس درجات التفوق هو سلطة القانون .. ولا شيء غير القانون .. فعندما يطبق القانون بصورته الصحيحة ودون تهاون سيقف الجميع امامه مذعنين وسيكون حاكما عليهم وحتى في تلك المعايير التي وضعها المجتمع والدين .. وعندها سيحاسب الجميع عند الاخلال في اي بند من بنود العقد الذي تم التعاقد عليه بغض النظر عن جذور الشخص والنسب الذي انحدر منه وسيجبره القانون ليكون نزيها وبدرجة الامتياز وعندها سيظهر لنا حشد من الموظفين النزيهين بعد ان وضعهم القانون في قوالب خاصة تجعلهم جميعا بذات الكفاءة وبنفس الالتزام .. فهذا هو المعيار الوحيد الذي من خلاله يكون الابيض والاسود .. القوي والضعيف .. المسلم وغير المسلم .. الانثى و الرجل يجلسون على نفس الكرسي ويمسكون بنفس المقود و يؤدون العمل بذات النزاهة . النزاهة بمفهومها الدقيق هي سلوك شخصي نسبي وليس معيار لاداء المهام وتقديم الخدمة .. ويبقى القانون هو النافذة الوحيدة التي من خلالها يتم منح الاحقية لهذا اللقب بعيدا جدا عما يحمله الانسان من الفضيلة او اللافضيلة .