اخبار محلية

إرادة الروح وهندسة الأمل: حوار مع الباحث الاجتماعي ميثم الحجيمي

منار قاسم 

في قلب مدينة كربلاء المقدسة، وتحديداً في قضاء الهندية، تبرز قصص من نوع آخر؛ قصص لا تُكتب بالحبر بل بالصبر والعطاء التقينا بالباحث الاجتماعي ميثم كامل الحجيمي، الذي كرس حياته المهنية منذ سنوات في خدمة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في هذا الحوار، لا نتحدث عن الإجراءات الإدارية، بل نبحر في فلسفة الإرادة التي تعلمها ميثم من أبطاله الصامدين داخل الدور الإيوائية، لنكتشف كيف يتحول العمل الاجتماعي من مجرد وظيفة إلى رسالة سماوية ترمم الأرواح قبل الأجساد.

س1: ما الذي تعلمته من ذوي الإعاقة عن معنى الإرادة ولم تجده في الكتب أو الجامعات؟

الجواب: تعلمت أن الإرادة ليست مجرد مفهوم نظري أو قوة ذهنية، بل هي فعل يومي لا ينقطع وتجسيد حيّ لرفض كلمة مستحيل في الكتب ندرس النظريات، لكن مع ذوي الإعاقة نرى الإرادة تتجلى في ابتكار حلول مبهرة لتجاوز القيود الجسدية الدرس الأهم الذي تعلمته منهم هو أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في شلل الإرادة وانطفاء الطموح.

س2: هل تذكر اللحظة الأولى التي قررت فيها أن يكون هذا المجال هو مسار حياتك؟ وماذا كان شعورك حينها؟

الجواب: نعم، كانت لحظة فاصلة أدركت فيها أن هذا العمل ليس مجرد وظيفة، بل هو رسالة إنسانية بحتة شعرت حينها بمزيج من الفخر والمسؤولية، وأدركت أن الوقوف بجانب هذه الفئة يمنح لحياتي معنىً أسمى ويجعل من مهنتي وسيلة لخدمة المجتمع وبناء الإنسان.

س3: في الأيام المتعبة، ما هي الكلمة أو القصة التي تمنحك القوة للاستمرار في العطاء؟

الجواب: التفاؤل هو الوقود الذي يحركني مهما بلغت التحديات. وأستحضر دائماً قول الإمام علي (عليه السلام): “على قدر المصيبة تكون المثوبة”، وقوله: “إن الشدائد تقوّي النفس وتظهر الإرادة”. هذه الكلمات تجدد فيّ الطاقة، وتذكرني بأن الصبر على المصاعب في سبيل خدمة الآخرين هو بحد ذاته نجاح واستحقاق للأجر.

س4: كيف تساعد الشخص من ذوي الإعاقة على استعادة شعوره بالخصوصية والاستقلالية في ظل احتياجه الدائم للمساعدة؟

الجواب: السر يكمن في تمكينه لا مجرد مساعدته نحن نعمل على احترام خياراته الشخصية وتوفير بيئة داعمة تمنحه حرية الحركة والقرار قدر الإمكان عندما يشعر الشخص أن رأيه مسموع وأننا نهيئ له الأجواء المناسبة ليعتمد على نفسه، يبدأ باستعادة ثقته باستقلاليته رغم حاجته لبعض الدعم.

س5: حين تجلس مع أم أو أب يشعرون بالعجز تجاه مستقبل ابنهم، ما هي الكلمة التي تلمس قلوبهم قبل عقولهم؟

الجواب: في لحظات الانكسار، الكلمات المعقدة لا تجدي نفعاً الكلمة التي تلمس أرواحهم هي: “أنا هنا معكم.. لست وحدكم في هذه المسيرة” هذه العبارة البسيطة تمنحهم الأمان والطمأنينة، وتحول شعور العجز لديهم إلى قوة نابعة من مبدأ التكافل والمشاركة.

س6: كيف تتعامل مع الاحتراق النفسي الذي يصيب أهالي ذوي الإعاقة؟ وكيف تعيد لهم الابتسامة؟

الجواب: نتعامل مع الاحتراق النفسي من خلال تقديم الدعم النفسي والعلمي المدروس، وتوفير مساحات آمنة لهم للتعبير عن مشاعرهم وتفريغ ضغوطهم كما نشجعهم على الاندماج الاجتماعي الإيجابي، لنبين لهم أنهم ليسوا بمعزل عن العالم، وأن قصص نجاح أبنائهم هي الجسر الذي يعيد الابتسامة إلى وجوههم.

س7: هل هناك قصة أمل شاهدتها غيرت نظرتك للحياة بالكامل؟

الجواب: نعم، تمر بنا قصص يومية ملهمة لأشخاص تحدوا واقعهم الجسدي الصعب وحققوا إنجازات تفوق ما يحققه الأصحاء هذه النماذج أثبتت لي أن الإعاقة ليست عائقاً أمام النجاح، بل قد تكون دافعاً للإبداع. رؤية الرضا في أعينهم رغم الألم غيرت نظرتي للحياة، وجعلتني أؤمن أن القوة الحقيقية تكمن في الروح لا في الجسد.

س8: ما هي أكبر المخاوف الإنسانية التي يسرُّ بها ذوو الإعاقة لك كباحث اجتماعي وصديق؟

الجواب: تتركز مخاوفهم الكبرى حول العزلة الاجتماعية والشعور القاتل بالوحدة؛ فهم يخشون دائماً من أن تبتلعهم الجدران بعيداً عن نبض الحياة. كما يسرّون لي بمعاناتهم مع الصراعات النفسية التي تجبرهم أحياناً على إظهار الحزن في مواقف الابتهاج، أو الشعور بالنفور والرفض بدلاً من التقبل، وهي ضغوط ناتجة عن عدم استيعاب المجتمع لتعقيدات عالمهم الداخلي.

س9: كيف يمكننا تشجيعهم على الحلم “بلا سقف” في حين أن الواقع قد يضع أمامهم الكثير من الجدران؟

الجواب: لكي يحلموا بلا سقف، علينا أولاً أن نهدم “جدران” المجتمع قبل جدران الواقع. ذلك يبدأ بالتمكين لا العطف، وببناء ثقتهم بأنفسهم عبر الدعم المعنوي المستمر علينا توفير بيئة شاملة تزيل الحواجز المادية والاجتماعية، وتغير نظرة الآخرين من “الشفقة” التي تكسر النفس إلى “التقدير” الذي يبني الكرامة ويحتفي بالقدرات الكامنة.

س10: هل تعتقد أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الجسد، أم أنها في روح المجتمع وعقليته؟

الجواب: بكل يقين، الإعاقة الحقيقية تسكن عقول المجتمع وليست أجساد الأفراد إعاقة الجسد هي ظرف فيزيائي يمكن تجاوزه بالإرادة والابتكار، أما الإعاقة الكبرى فهي العقليات التي تضع الحواجز النفسية والاجتماعية، والقلوب التي تفتقر للمرونة في احتواء الاختلاف. عندما تتغير العقلية، تختفي الإعاقة.

س11: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً يحتوي الجميع، ما هي القيمة الإنسانية الأولى التي يجب أن نغرسها في أطفالنا في المدارس؟

الجواب: القيمة الجوهرية هي تقبل التنوع الإنساني يجب أن نغرس في الأطفال أن الاختلاف هو مصدر قوة وجمال وليس نقصاً من خلال تعليمهم التعاطف، التسامح، والاحترام المتبادل، سنخلق جيلاً ينظر للآخر من زاوية إنسانية بحتة، ويؤمن بأن لكل فرد مكانه وقيمته في هذا الكون مهما كانت قدراته الجسدية.

س12: في ختام يومك، كيف تشعر عندما تنجح في رسم مسار حياة جديدة لشخص كان يظن أن الطريق مغلق؟

الجواب: هو شعور لا توصفه الكلمات؛ مزيجٌ من الفرح الغامر والرضا الروحي العميق. أشعر بامتنان عظيم لأن الله استعملني سبباً لتحويل “ظلام اليأس” إلى “نور الفرصة” في تلك اللحظة، يتلاشى تعب اليوم وأدرك أن النجاح الحقيقي ليس في الوصول الشخصي، بل في يدٍ تمتد لتعيد إنساناً إلى سكة الحياة والكرامة.

 

في ختام لقائنا مع الباحث ميثم الحجيمي، ندرك أن المجتمع القوي ليس الذي يخلو من الإعاقة، بل هو الذي يحتضنها ويحولها إلى طاقة بناءة إن كلمات ميثم وتجاربه تذكرنا بأن الأمل ليس مجرد شعور، بل هو قرار نتخذه كل يوم لنضيء به حياة الآخرين ويبقى الدرس الأكبر الذي تركه لنا: أن العجز الحقيقي هو عجز الروح عن العطاء، وأن يد المساعدة حين تمتد بصدق، تصبح هي الجسر الذي يعبر عليه الجميع نحو مستقبل أكثر إشراقاً وكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى