نور الهدى رياض
في مدنٍ تنبض بالحياة، تكون الخُضرة أكثر من مجرد زينة ، بل هي نبضٌ صامت ، وروحٌ تنبسط في ظل شجرة ، أو بين حفيف أوراق.
أما في بغداد ، تلك المدينة العريقة التي كانت تكتسي بساتينها بحفيف النخيل ، فقد بدأ اللون الأخضر يذوي أمام أعيننا، ويختنق بين تمدد الابنية وغياب الرؤية.
ما يجري اليوم ليس انحسارًا عابرًا للمساحات الخضراء، بل هو نزيف بطيء في قلب المدينة ، تتساقط فيه الأشجار كما تتساقط الراحة من قلوب ساكنيها.
لقد تحوّلت الحدائق إلى فراغات مهجورة، وتراجعت نسب الخُضرة حتى لم يتجاوز نصيب الفرد الواحد مترًا مربعًا، بينما الحد الأدنى العالمي الموصى به يبلغ تسعة أمتار.
فماذا يعني أن تختفي الخضرة من مدينة؟
يعني أن ترتفع درجات الحرارة، ويتلوث الهواء، وتزداد أمراض الصدر والتوتر والاضطرابات النفسية.
ويعني أن الإنسان يفقد توازنه النفسي، ومعه تفقد المدينة ملامحها الإنسانية.
السبب؟ إهمالٌ مستمر، وتغليبٌ لمصالح العشوائية على حق الناس في بيئة صحية.
وهنا تكمن خطورة المشهد: ليست القضية قضية أشجار تُقلع، بل مدن تُفقد شروط الحياة الكريمة.
وفي هذا الواقع، تُطرح تساؤلات لا تحتمل التأجيل:
أين دور البلديات؟
أين تخطيط المدن؟ أين الميزانيات؟
وأين الوعي المجتمعي بقيمة الشجرة كعنصر أصيل من عناصر الأمان البيئي والسكينة النفسية؟
نحن لا نكتب هذه الكلمات لنرثي الأشجار، بل لننقذ ما تبقى.
إن إنقاذ بغداد يبدأ من زراعة شجرة، ومن احترام الظل، ومن إصغاء حقيقي لصرخة مدينة تختنق كل يوم.
فلتكن البداية من هنا، من وعي لا يترك الأرض عارية، ولا يترك الهواء مثقلًا، ولا يترك الإنسان وحده في مدينة فقدت لونها .