مقالات

النبي محمد (ص) وتحدّيات الموروث القبلي

 

▪️أحمد يحيى الوطيفي

ونحنُ نعيشُ اليوم حزناً بذكرى رحيل سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) لابد أن نستذكر شيئاً من رسالته العظيمة وسيرته المباركة، لتكون عبرة لنا جميعاً نستلهم منها الرحمة والانسانية والقيم الإسلامية الأصيلة.
في زمنٍ كانت فيه الموروثات القبلية والتعصّب هي السائدة ، وكان العرب قبل الإسلام في تناحر دائم، وحروب طاحنة لأتفه الأسباب، تحكمهم العصبية القبلية، والنعرات الجاهلية ، أتى رسولنا الكريم محمد بن عبدالله (صلّى الله عليه وآله) برسالة الإسلام لتغير القواعد وتعيد تعريف العلاقات الإنسانية ، فأطفأ تلك النار وأخمد التناحرات العصبية والقبلية، فألف بينهم على أساس الدين والإيمان ، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وكانت دعوته متوجهة نحو بناء مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة، ويعيش فيه الناس بسلام وتفاهم بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية.
في العصر الجاهلي، كان التعصّب القبلي والعصبية العرقية يلعبان دورًا محورياً في تحديد العلاقات بين الناس، كان كل قبيلة تعتزُّ بنسبها ومكانتها، وتتعامل مع القبائل الأخرى بنظرة استعلاء واحتقار ، هذه الثقافة أسهمت في خلق تباعد اجتماعي، وفروقات كبيرة، وجعلت من العلاقات الإنسانية قائمة على التفوق العرقي والقبلي بدلاً من الاحترام المتبادل والمساواة.
جاء النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) برسالة الإسلام ليضع حداً لهذا التعصّب. قال رسولنا الكريم (ص) في خطبته في حجة الوداع: “يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب. لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. هذه الكلمات التي لازالت تشعّ نوراً في القلوب، كانت بمثابة انقلاب جذري في مفاهيم المجتمع، حيث وضع النبي أساساً جديداً للعلاقات الإنسانية يعتمد على التقوى وليس على العرق أو النسب.
إن تأثير النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في مواجهة التعصّب لم يقتصر على فترة حياته فقط، بل استمر كدليل للأجيال اللاحقة. إن قيم المساواة والعدل التي أرساها مازالت تشكل جزءاً أساسياً من المفاهيم الإسلامية التي تُعزز التعايش السلمي في المجتمعات الإسلامية والعالمية.
تجسد سيرة النبي محمد (ص) نموذجاً فريداً في مواجهة التعصّب وبناء مجتمع قائم على قيم المساواة والتعايش. من خلال تعاليمه وأفعاله، عكس النبي فهماً عميقاً للعدالة والاحترام المتبادل، مما يتيح لنا اليوم أن نتعلم كيفية التعامل مع التعصّب وتجاوز الفوارق لتحقيق التعايش السلمي بغض النظر عن الارتباط العشائري والاجتماعي والسياسي والحزبي ، وإن استلهامنا لقيم النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) ونحنُ نعيش اليوم ذكرى رحيله ، يمكن أن يساعدنا في بناء مجتمعات أكثر تقارباً وتسامحاً بلا عنصرية ولاحزبية ولاتناحرات عشائرية ولا تعصب قبلي أو طائفي ، مما يعزز من قيم الإنسانية المشتركة ويعمق الروابط بين الناس ، وختاماً يقول الله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيراً).

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى