فارس الحسناوي- رئيس التحرير
تعد ظاهرة التعددية الاجتماعية، ظاهرة ملازمة للمجتمعات البشرية، تمتد جذورها في حياة الإنسان إلى أبعد نقطة من تاريخ علاقاته الاجتماعية، منذ ان اكتشفت الجماعات الإنسانية ان ثمة جماعات أخرى تشاركها وتزاحمها العيش على أرض هذا الكوكب، مما جعل الإنسان يشعر بوجود تمايزات واختلافات فيما بينه وبين الجماعات الأخرى.
قال الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة كوفي عنان: (قول الامام علي ابن أبي طالب ع ):
يا مالك إن الناس صنفان: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)
، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية ، وبعد أشهر اقترح (عنان) أن تكون هناك مداولة قانونية حول( كتاب علي إلى مالك الأشتر(
اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، بعد مدارسات طويلة، طرحت: هل هذا يرشح للتصويت؟
وقد مرّت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي
نعم (ان الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) ، هي كلمة خلدها التاريخ وستبقى على مر الزمان متوهجة لاتنطفىء، لانها منطلقة من روح الكتاب السماوي (القران) ومن اخلاق وسلوك النبي محمد(ص) الذي قال (الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)
ولانها خرجت من قلب مفعم بالايمان ، وعقل منفتح على الجنس البشري ، فلا فرق بين البشر فالكل سواسية ولا فرق بين عربي او اعجمي الا بالتقوى، فلا استغلال ولاعبودية ولا هيمنة لفئة او أمة على اخرى، وانما العبودية المطلقة الى الله عز وجل، فالكل احرار كما هناك قول (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا)
فاين هذه الكلمة اليوم ، ممن نصب نفسه محاسبا ومقيما لايمان وسلوك البشر…فقسم الناس : هذا مشرك لانه يتوسل بالانبياء والصالحين يجب قتله وسلب امواله ..!!!…وهذا على غير مذهبنا ومعتقدنا فيجب قتله …!!!
ألا يعلم هؤلاء الجهلة ان الرسالة الالهية قد قدست حياة الانسان ، قال تعالى( من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون )المائدة /32
ان القلب ليعتصر ألماً على ما يفعله جهلة هذه الامة بابناء امتهم في الحروب بالعراق وافغانستان والصومال وغيرها من البقاع الاسلامية، وابناء الامم الاخرى من قتل وتعذيب بحجج واهية تدل على جهلهم بالاسلام وبالمبادىءالانسانية التي احتوتها الشريعة السمحاء، ناسين او متناسين انه لايجوز قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق ولان البشر كما قال الامام علي صنفان فاما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق ، فلاي صنف انتسبت فان القانون الالهي يجب ان يحترم فيك ، فلا يجوز لك ان تقتل المسلم ، لانه اخ لك في الدين ، ولايجوز لك ان تقتل (غير المسلم) لانه نظير او شبيه لك في الخلق فهو انسان يجب ان تحترمه و تعيش معه بسلام وتتعايش معه اذا لم يؤذيك اوكما قال الله تعالى:
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) الممتحنة/8
اما الذين يؤذون المسلمين فحكمهم كما قال تعالى:
(انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون)الممتحنة/9
اذن ، اذا اراد المسلمون ان يكسبوا احترام الامم الاخرى لهم ، عليهم اولا وقبل كل شىء ان يحترموا الامم الاخرى وذلك بتطبيق المبادىء الانسانية التي جاءت بها عقيدتهم على انفسهم اولا ولكي يكونوا فعلا( أمة وسطا)كما قال الله تعالى :
(وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا…) البقرة/143
فالتعايش السلمي اذن يجب ان يكون هو هدف المسلمين في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرون بها انطلاقا من التشريع الالهي وليس من الامزجة المتقلبة للبشر، وما عليهم الا طرح مفهوم التعايش كما جاء في القران الكريم حصرا، ليكون ذلك بابا لتقرب الامم الاخرى الى هذا الدين الانساني الذي يجهل تعاليمه معظم البشرومنهم الكثير من المسلمين.
وان هذه التمايزات والاختلافات الثقافية، والعرقية، والدينية، بما تفرضه من تمايزات واختلافات في الرؤى، والمواقف السياسية، هي اختلافات وتمايزات ملازمة لطبيعة المجتمع البشرى ذاته. والتعددية غالباً ما تعني إقرار وتسليم بعالم مشترك يبنى على أسس التعدد والتنوع، والاختلاف، إذ تغدو التعددية أحدى ثوابت وآليات إدارة أنماط الحياة المعاصرة. وكيفية التعامل والتفاعل معها سيقود بشكل أو بآخر، إلى الاحترام والتسامح والحوار وتقبل الآخر والتعايش معه بسلام وأمان مهما كانت المكونات أو الألوان والأطياف قد تُفصح وتُعبر عن نفسها عن طريق ترجمة واقعها بالتعبير عن انتماءاتها إلى الهويات الثقافية الخاصة بها، والمعبرة عن ثقافات فرعية مثل المعتقدات الدينية، والعادات الطقسية والشعائرية، والتجمعات الإثنية والأنظمة
وغيرهاالمجتمع لا يعني ذلك حالة ضعف أو قطيعة بين مكونات المجتمع وثقافاته، إذا أحسنت إدارة المجتمع في أطار حكم رشيد بل العكس فان الثقافات المتعددة تتفاعل فيما بينها، ولكل منها حضور فاعل، في مضمون الثقافة الأخرى، وهذه التعددية علاوة على تعبيرها عن حالة اصطفاف متزامن للثقافات الفرعية المختلفة إلى بعضها بعض، فهي تؤشر أيضاً حالة من تزامن مستويات الوعي المختلفة، ويجري التعامل معها راهناً بوصفها حقيقة واقعية، كما هي في الماضي وستكون في المستقبل.