منوعات

من الذاكرة الكربلائية المشهد السابع. (( زيارة أحمد بن هاشم ))

حسين أحمد الإمارة


على مسافة تبعد من مركز كربلاء بحدود 90 كم .تنتصب قبة زرقاء في وسط الصحراء من الجهة الغربية للمدينة..
إنه الوجيه سلالة رسول الله صلى الله عليه وآله. السيد شرف الدين بن هاشم أحمد بن أبي الفائز، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر، عليهم السلام. توفي عام 745هجري..

تكفل المرحوم الحاج حمودي الخفاجي .(رحمه الله ) بتنظيم رحلات سنوية إلى السيد أحمد بن هاشم،للعوائل من أهل المحلة.
بعد الإعلان عن موعد السفرة يتم تسجيل الراغبين بها مع جلب ما تحتاجه العائلة من متطلبات السفر…( قدور الطبخ..صفائح الماء الصالح للشرب..الحطب..وكذلك ألفراش اللازم. وخروف النذر إن وجد )..كلها تجلب مساءاً لمكان وقوف الحافلة بالقرب من سكلة المرحوم الحاج ابو قاسم أبو العرب. لغرض رزمها على السطح .

بعد أذان الفجر تتجمع العوائل وتتهيأ بالصعود للحافلة.
تنطلق باتجاه المكان المقصود مروراً ببحيرة الرزازة..

جلستُ قرب النافذة لأستطلع الطريق وما يحيط به،
جال في خاطري حلم السفر الذي راودني ليلاً ،أفكار شتى عن طبيعة المكان وما يحتويه ، وهل ما رسمته في مخيلتي هو كما يلوح أشاهده .
نسير عبر صحراء قاحلة حتى نصل كهوف ( الطار ).والتي تبعد عن مركز كربلاء( 30 كم ). إلى الجنوب الغربي منها،
تنتصب هذه الكهوف على مرتفع يطل على بحيرة الرزازة وتحتوي على الآلاف من الكهوف ألتي اتخذت سكناً لساكنيها ومن ثم تحولت إلى مقابر لموتاهم..والذي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد كما ذكره المؤرخون..

نستمر في المسير على منحدر يقطع جزء من البحيرة. طريق رملي غالباً ما تغرز به المركبات لهشاشته ويتولى الركاب مهمة أخراجها منه بواسطة الدفع ووضع مصدات بين الارض والاطارت ،حتى يستقر الطريق، نسير متجهين صوب عين التمر..

. من بعيد يُشاهد بناء تاريخي أثري منتصب وسط الصحراء يشابه بنائه إلى حد كبير أسلوب البناء في الحقبة العباسية. إنه قصر (الأخيضر ) ،الذي يبعد عن مركز كربلاء بحدود (50 كم ) ،
يعتبر القصر فيما مضى ملتقى وممراً للطرق التجارية بين مدن الجنوب وبين الأنبار وأعالي الفرات باتجاه بلاد الشام.

. واصلنا السير وما هي إلا فترة وجيزة حتى تراءت للناظر غابة من النخيل.

(( شثاثا أو عين التمر )).
واحة الينابيع وعروس الصحراء..

عين التمر جنة نخيل تقع على حافة الصحراء الغربية في العراق.
مدينة تختلط فيها معطيات ودلائل تاريخ آلاف السنين ..
وعلى هذه الواحة التي تقع على طرف الصحراء الغربية .مدينة تضم قرابة 25 ألف نسمة أغلبهم يمتهنون الفلاحة. تعتمد على مجموعة من الينابيع و عيون الماء الطبيعية التي تزود بساتينهم واراضيهم الزراعية.
هذه العيون جعلت المدينة مقصداً للوافدين اليها من العراقيين والأجانب ،بحثاً عن الراحة والاستجمام وكذلك لزيارة الأولياء.

تقع عين التمر في الغرب من مدينة كربلاء (70 كم) وتعتاش على المنتجات الزراعية مثل التمور والزيتون والرمان، التي اشتهرت بها المدينة. وكذلك على الأنشطة السياحية والدينية.فهي غنية بوجود مزارات لأهل البيت وقصور وقلاع وكنائس ومقابر تاريخية موغلة في القِدم ،منذ العهد اليهودي والمسيحي. والتي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام قبل الميلاد..

(( شثاثا ))

.. شثاثا هو أسم آرامي ومعناه ، ( ألرائقة الصافية ) .
وإن المدينة قد ذكرها المؤرخون كونها جزاً من مملكة الحيرة..

من ألادلة الاثارية على تلك الفترة، أطلال قصر شمعون بن جابر أللخمي .(393م ) .
وهناك رأي آخر للتسمية، يقول المؤرخون إن الإسم جاء من هجرة الناس اليها بسبب الجفاف والحروب لينتقلوا الى مكان آخر يكثر فيه الماء والكلأ بطريقة (التشتت ) .
فقد نزحوا على شكل فئات وموجات متعاقبة فاطلقت التسمية فكانت (شثاثا ).

أما لماذا سميت عين التمر فهو لكثرة أنواع التمور وكثافة بساتينها. وهي تسمية متأخرة .

إن أغلب سكان عين التمر هم من القبائل العربية يدينون بالإسلام.
وأشهر القبائل هي.

(الحساويين..الانباريون. وال حسان
وآل شبل..والدراوشة وآل زين الدين..وبنو أسد. وآل نصرالله ).

وكانت الواحة تتكون من أربعة قصور كما يسميها أهالي المدينة. وهي أشبه (بالمحلات )..
وكل قصر هو مجموعة من البيوت المتقاربة المشيدة من الطين ومسقفة بالجذوع. ويحيط بها جميعاً سور مرتفع كبير وله بابان والغاية من بناء هذا السور هو لغرض الدفاع عن القصر..
وقد ازيلت هذه الأسوار فيما بعد لانتفاء الحاجة إليها..

توقفت الحافلة وترجل الراكبون لغرض شرب الشاي وشراء ما ينقصهم من مواد غذائية وأخذ إستراحة وجيزة .
عادت الركاب كل لمكانه واتجهت المركبة صوب مرقد السيد أحمد بن هاشم.رض.
قبل الوصول للمرقد، لاح لناظرنا مجموعة من البيوت (القصور ) التي اتخذت مكاناً لسكن أهل المنطقة..

اعتاد سكان هذه القصور على تقليداً سنوياً ،وهو أن يتولى كل قصر إقامة وليمة عامة لجميع سكان المنطقة ومن شملتهم الدعوة من الخارج، في كل اسبوع، يقدم فيها طبق الٌْلحم على الأرز في أواني كبيرة مستديرة، وهو عُرف تتباها وتفتخر به العشيرة على مدى الكرم والجود بينهم.

وصلت القافلة إلى مكان المزار. وبدأ الناس لاختيار مكان للاستراحة والمبيت. منهم من وجد مكاناً داخل الصحن في أحد الاواوين، ومنهم من نصب خيمة خارج الصحن.
تتجه جموع الزائرين إلى الزيارة واقامة صلاة الظهر والعودة للاستراحة وتناول الطعام بعد نحر الخراف وإعطاء حصة خادم المزار ..

بالقرب من باب الصحن توجد بئر يرفع منها الماء بواسطة دلو .مائهُ مج يحتوي على نسبة عالية من الكبريت لا يصلح للشرب.

(( قلعة البردويل ))
تقع هذه القلعة إلى الجهة الغربية من المرقد على بعد بضعة كيلومترات في داخل الصحراء، بين المزار وبين الرحالية، ولاطريق يوصل لها. ويعتقد أن هذه القلعة تعود الى العصر المسيحي ومنهم من يدعي انها تعودإلى الحاكم اليهودي واسمه ( البردويل ) الذي سكن المنطقة قبل المسيحية.

نسجت الكثير من القصص والخرافات حول هذه القلعة. منهم من يقول تسكنه الجن وآخرين يدعون إنها مكان للهوام الكاسرة ( الضباع والذئاب) وغيرها..وقد أهملت ولم تلقى العناية والإصلاح، حالها حال بقية الشواهد والآثار ألتي تزخر بها أرض الرافدين المباركة.

عصراً بعد أن تميل الشمس للغروب يتجدد نشاط الناس ويهمون في تبادل الزيارات بينهم.
في الأعم الأغلب أن الزائرين يبيتون ليلة واحدة أو أكثر عند ضريح السيد أحمد بن هاشم، وفي صباح اليوم التالي وبعد تناول الفطور تتولى النسوة بإعداد وجبة طعام الغداء وتحضيرهُ لأجل تناولهُ في( عين التمر).

ترزَم الحاجيات والأثاث فوق سطح الحافلة ،يصعد الزائرون كُل في مكانه والتوجه صوب عين التمر، حتى إذا ما وصلنا يعطى للزائرين وقت كافي للاستراحة والتجول في المدينة وممارسة السباحة في العيون المنتشرة على بقعة الواحة .وتناول وجبة الغداء والتسوق مما تجود به أرض الله وخيراته من التمور والزيتون والرمان، حتى يحين موعد العودة للديار.

اعتاد أهالي كربلاء بالذهاب إلى هذا المكان في موسم الخريف..شهري التاسع والعاشر، من كل عام. بسبب اعتدال الجو وخمول النشاط الزراعي. وتزداد نسبة التوجه للزيارة في منتصف الشهر القمري بسبب ازديار انتشار ضوء القمر ورومانسية المكان الليلية..ففي الصحراء يأنس القمر ويزداد كرمه.
مواقف ومشاهدات كثيرة جرت في هذا المكان ،منها المؤلمة ومنها المفرحة..
ففي كل وقت له ذكريات رسمت على ذاكرة الأيام. نحن نقصها ليقرأها من لم يعيشها ويمارسها.

نسأل الله أن يرحم من سبقونا ممن رحلوا وبقيت آثارهم، والصحة والسلامة الدائمة لاقراننا..

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى