مقالات

اجعلوا أصواتكم لها بصمة لا تستهينوا بها

منار قاسم 

في زحام الحياة وضجيج العالم، يبدو صوت الفرد أحياناً كقطرة في محيط، أو كنسيم عابر لا يترك أثراً.

هذه الفكرة قد تدفع بالكثيرين إلى الصمت والانسحاب، ظناً منهم أن كلماتهم لا وزن لها، أو أن جهودهم لن تغير من الواقع شيئاً.

لكن التاريخ والحكاية الإنسانية الطويلة تخبرنا عكس ذلك تماماً. فكل بصمة عظيمة بدأت من صوت واحد، وشعلة كل تغيير اشتعلت من شرارة.

صوتك ليس مجرد كلمات تتبخر في الهواء، بل هو طاقة تحمل في ثناياها قوة لا تُقدّر.

إنه التعبير عن وجودك، وهو وسامتك في المشاركة في تشكيل العالم من حولك. عندما تتحدث بموقف، أو تطرح فكرة، أو حتى تعبر عن قيمة، فأنت لا تنطق فقط، بل تضع لبنة في صرح الواقع.

كم من كلمة حق كانت شعلة أضاءت درباً، وكم من موقف شجاع كان بداية لنهاية ظلم؟

إن الاستهانة بهذه القوة هو جور على حقك في الوجود والفعل. فكر في المعلم الذي كلمة واحدة منه غيرت مصير طالب، أو الأب الذي توجيهه الرقيق شكل شخصية ابنه، أو الصديقة التي ساندت في لحظة حركة فمنحت الأمل.

هؤلاء جميعاً لم يحملوا صولجان سلطة أو أموالاً طائلة، لكنهم امتلكوا الشجاعة لجعل أصواتهم مسموعة حيث كان الصمت أسهل الخيارات.

ولكي تترك بصمة، لا يحتاج صوتك أن يكون عالياً أو صاخباً. البصمة الحقيقية لا تقاس بالصخب، بل بالصدق والعمق.

قد تكون بصمتك كلمة طيبة في وقتها، أو رأياً مستنيراً في محفله، أو حتى موقفاً أخلاقياً تتبناه في صمت.

الفكرة هنا ليست في “كم” تتكلم، بل في “ماذا” تقول، و”لماذا” تقوله، و”كيف” تطرحه.

إن الصوت الهادف هو الذي ينبع من رؤية واضحة وإيمان راسخ. هو صوت يتحرى الحقيقة، ويتحمل المسؤولية، ويبتعد عن العبث.

إنه ليس صدى للآخرين، بل هو تعبير أصيل عن الذات والفكر.

عندما تتحدث من هذا المنطلق، فإن كلمتك تحمل طاقة مختلفة، وتصل إلى القلوب قبل الآذان، وتظل مؤثرة حتى بعد أن تتبدد موجات الصوت.

ولا تنس أن البصمة قد تكون سلبية أيضاً. فالصمت أمام الظلم، أو الكلمة الجارحة، أو الموقف السلبي، كلها تترك أثرها.

الاختيار بين أن تترك أثراً طيباً أو سيئاً هو قرارك وحدك. أنت مسؤول عن رصيدك من البصمات في حياتك، وفي حياة من حولك.

في عصرنا هذا، حيث وسائل التواصل جعلت من السهل نشر الكلمة، أصبح واجبنا أكبر في تحري الدقة والعمق. اجعل صوتك منبراً للخير، وسفيراً للحق، وجسراً للفهم.

لا تستصغر فكرتك، ولا تستخف بكلمتك. فالكلمة الطيبة قد تكون شجرة طيبة في قلب إنسان، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

في الختام، تذكر أنك خلقت لتبقى، لا لتمر مرور الكرام. فليكن صوتك تعبيراً عن هذه البقاء، ووسامتك في سفر الحياة.

امنح كلمتك حقها من التفكير، واحملها مسؤوليتها من الأثر. لأنك، وبكل بساطة، أهم من أن تكون مجرد صوت عابر.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى