حسين أحمد الإمارة
– اجهدنا التعب في ليل شتاء طويل، برفقة أصدقائي، نتنقل من مكان لآخر بحركة دائبة، شخوص كثيرة تظهر على الساحة، تمارس طقوساً اعتادوا عليها كل عام بإحياء ذاكرة الطف،
هذا يبكي، وذاك يلطم على الصدر ويرددون شعرا حسينياً يختص بالمشهد،ضمن جوقات منضوية بموكب العزاء الخاص بمحلته.
ومجموعة أخرى أتخذت جانباً للشارع مكاناً مناسباً لممارسة طقوسهم .
نسوة تجمعن في اماكن عدة يشاهدن مجريات الأحداث وهن يصطحبن أطفالهن، يتفاعلن مع الحدث بكل تفاصيله ..
أرض كربلاء هي المسرح الحسيني الكبير.
بعد أن أكملت دورها تتجمع مواكب العزاء عند التكية في إنتظار الحدث التالي. جميع هذه الممارسات تستمر حتى آذان الفجر..
عن بعد شاهدت جار لنا يهم بتوزيع الطعام هو عبارة عن قرصة خبز تضم في جنباتها ثلاث قطع من الكباب المعمول في البيت وعليه ورق الريحان، ناولني واحدة فطلبت اثنتان إضافيتان لاصدقائي.
توجهنا لدار صديقنا، الواقع بالقرب من الصحن الحسيني الشريف.
استرخينا للنوم عندهم في إنتظار الصباح. سمعنا نداء من كبير البيت،
انهضوا كفاكم نوماً يا أبنائي فقد بدأت مراسيم التطبير.
توجهنا مهرولين خلال طرقات المدينة القديمة الملتوية.
وقفنا على دكة محل بائع القماش، للتمكن من مشاهدة المراسيم بصورة أفضل.
دماء تتناثر، كفن اصطبغ بالدم، ذاك لُفَ رأسه بضماد، وآخر يقوده رفاقه خوفا من سقوطه على الأرض، فقد خسر الكثير من دمه. وثالث يلوك قطعة حلقوم لمعالجة نقص السكر في جسمه.
فجأة مُسِكْت يدي…إنه أخي
مخاطباً لي :
عندما ينتهي العزاء عُد إلى البيت، أمي وأبي قلقين عليك.
بعد الإنتهاء من مشاهدة الحدث توجه كل منا لداره،دخلت الدار وقد تملكني الخوف من عقوبة أو رزالة، كوني لم أخبرهم بالمبيت خارج الدار، ولكن لم أجد الوالد فقد ذهب لحضور سماع المقتل( بصوت المرحوم عبد الزهرة الكعبي ) عند مقهى حجي حبيب، والمشاركة في ركضة طويريج.
عتب بسيط من والدتي وزالة تقبلتها بضحكة لتهدءة الموقف،
أدخل للحمام واستبدل ملابسك بعد أن تستحم. أمر واجب التنفيذ..
أخذت قسطاً من الراحة وتهياة للخروج والالتحاق باصدقائي، على الموعد المتفق عليه.
بعد أن اخذنا جولة في المدينة، توجهنا لصحن الإمام الحسين عليه السلام، قبل موعد آذان الظهر.
شاهدنا مكاناً يؤدي إلى أعلى السور، اختلطنا مع مجموعة من العوائل كانت تروم الصعود إلى أعلى السور.
تجولنا فوقه في إنتظار ركضة طويريج والحصول على أفضل مشاهدة.
بعد الانتهاء من إقامة الصلاة، تصاعدت أصوات من جموع الحاضرين تنادي…
وا…..حسين، وا…..حسين.
أبد والله ما ننسى حسينا.
إنه نداء بدأ الركضة الخالدة، في مشهد يثير المشاعر ويهز البدن.
أصوات تتعالى وتصدح بحب الحسين لتجديد العهد.
أفواج تترى مهرولين في شوارع المدينة قادمين من مكان التجمع (قنطرةالسلام ) من خلال سوق العرب متجهين للدخول لصحن الإمام الحسين عليه السلام من باب الرجاء والخروج من باب الشهداء بعد أن استداروا حول الضريح الشريف. متجهين إلى صحن أبا الفضل العباس والخروج من باب القبلة في إتجاه موقع المخيم الحسيني لغرض حرق الخيام الرمزي.
نتنقل من مكان لآخر لمشاهدة الأحداث متفاعلين معها.
بعد حين انتبهنا إلى أن سطح السور قد خلى تماما وباب السطح أغلقت.
ماذا نفعل..وكيف السبيل إلى النزول.
طل أحدنا إلى باحة الصحن بعد أن دب بنا الخوف ، ونادى أحد السادة العاملين فيه مرة وثانية وثالثة، حتى أنتبه لنا.
خاطبناه والتمسنا منه بفتح الباب.
بعد فتحها تلقينا منه رزالة (مقبولة من السيد ) .
هبطنا الدرج مهرولين متوجهين الى حسينية( تاج دار بهو ) لتناول الطعام.
اعتاد العاملين فيها بتقديم وجبة غداء للزائرين، وهي عبارة عن طبق أرز مع العدس بقشوره، يسمى (الدال ) على الطريقة الهندية المملوءة بالتوابل الحادة..
بعدها توجهنا لإكمال مشاهدة الأحداث..
تواصلت مواكب الاطراف للمشاركة بعزاء الوحشة (شامي غريبون ).
والذي ينتهي عند المخيم الحسيني بإيقاد الشموع من قبل المعزين مع ردات حسينية حزينة.
في طريق العودة للبيت يثيرنا مشهد حزين يطغى على المدينة. محلات مقفلة، شوارع يسودها الظلام، جدران موشحة بالسواد، الإنارة الحمراء توهجت بها الشوارع.
في مشهد درامي يعكس حالة الألم والحزن الذي عاشته العائلة العلوية ومن معها التي نجت من القتل.
دخلت الدار وأخذت مكاني مستلقياً على سريري وأنا مرهق ومحمل بمشاهد لأحداث يوم طويل.
بدأت اُعيد استرجاعها بمخيلتي حتى أغمضت عيني..
انهض حسوني كافي نوم ماما..
إنه نداء أمي وقد أعدت الإفطار..
أحداث لا زالت عالقة في الذاكرة ومثلها الكثير..