منار قاسم
في ردهات بيوتنا المعاصرة يسود صمتٌ خادع ليس هو صمت السكينة، بل هو صمت الارتهان الرقمي.
أطفالٌ في عمر الزهور، قد حُبست نظراتهم خلف زجاج الشاشات الباردة، بينما ينغمس الآباء في عوالمهم الخاصة، ظانّين أنهم اشتروا لحظات من الهدوء، بينما هم في الحقيقة يزرعون بذور اغتراب قادم.
إن الطفل الذي كتمتَ صوته اليوم بتركيز عينيه في شاشة الآيباد لتشتري راحتك المؤقتة، هو في الحقيقة قنبلة موقوتة ستنفجر غداً في وجه المجتمع بعقيدة مشوهة، وسلوكيات غريبة، وهوية مختطفة لأن القاعدة ببساطة: أنتم أنجبتم.. والشاشاتُ ربّت!
ثلاث زوايا للرؤية: واقعٌ ملموس
1. الأم: فخُّ المسكنات الوقتية
تقول (مريم )، أم لثلاثة أطفال:
أعترف أنني أقع في فخ المسكن الرقمي كثيراً بعد يوم عمل مضنٍ، أجد في الشاشة الملاذ الوحيد للحصول على دقائق من السكون لكنني ألحظ الثمن يومياً طفلي أصبح سريع الاستثارة، يتبنى لغةً هجينة، ويقلد حركات غريبة لا تشبه بيئتنا أدركتُ متأخرة أنني لا أشتري الراحة، بل أؤجل صراعاً حتمياً مع جيل لا أعرف لغته.
2. الطالبة الجامعية: أزمة الهوية العميقة
تتحدث (بركات )، طالبة تخصص علم النفس، عن أبعاد الأزمة:
نحن أمام جيل يعاني من تسطيح الوعي
الشاشات لا تقدم محتوى محايداً، بل تمرر قيمًا تنسلّ إلى عقل الطفل دون مصفاة. ما نراه اليوم هو اختطاف ثقافي ممنهج حيث يصبح الشاب غريباً في بيته، يستقي منظومته الأخلاقية من خوارزميات صُممت للاستهلاك لا للبناء التربوي
3. التلميذة: نداء خلف الوهج
ببراءة لا تخلو من عتاب، تقول (نور)، تلميذة في المرحلة الابتدائية:
أحب الألعاب الإلكترونية، لكنني أملُّ منها. أطلب من أمي أن تشاركني اللعب أو تقصّ عليّ حكاية، فتجيبني: (خذي الجهاز وشاهدي ما تحبين). الشاشة تعطيني ألواناً باهرة، لكنها لا تمنحني حضناً دافئاً أو حواراً يشعرني بأنني مسموعة
لماذا هي قنبلة موقوتة؟
عندما تستقيل الأسرة من دورها القيادي وتمنح الآيباد حق الوصاية التربوية، نحن نُعرّض أطفالنا لثلاثة مخاطر كبرى:
١-تشوه المنظومة القيمية: عبر التعرض لمحتوى يضرب الثوابت الفطرية والدينية.
٢-الهشاشة النفسية: فالعالم الافتراضي لا يعلّم الصبر، بل يعلّم الإشباع الفوري، مما ينتج شخصيات هشة لا تتحمل ضغوط الواقع.
٣-انقطاع الجسر العاطفي: تفقد الأسرة هيبتها وتأثيرها لصالح المؤثرين وصنّاع المحتوى
الخلاصة: استعادة الدفة
إن الإنجاب هو هبة بيولوجية، أما التربية فهي صناعة حضارة الشاشات أدوات مساعدة وليست معلماً بديلاً يحتاج الطفل إلى وقتنا لا إلى أجهزتنا، وإلى توجيهنا لا إلى تقنياتنا استعيدوا أبناءكم من يد الخوارزميات قبل أن يفوت أوان الندم.




