فاطمة الجنابي
ساهمت التكنولوجيا في العديد من المجالات وتطورها بشكل ملحوظ، لكن مع الوقت، وكأي أداة أخرى؛ أنتجت فجوات كثيرة للجيل الجديد، إذ إنه تعايش مع تلك التطورات منذ نعومة أظافره، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، وفتحت نافذة عملاقة للعالم أجمع، متشاركين فيها عاداتهم اليومية وأفكارهم الشخصية.
فهل مع كل ذلك التعرض للسوشيال ميديا نجد الشباب بهذا العمر يعرف نفسه حقًا؟
أم هو يقلد ما يراه في مواقع التواصل الاجتماعي؟
غياب الوعي الذاتي
السوشيال ميديا اليوم هي نافذة العالم الجديد، فنرى أن الأغلبية اتجهت نحو بناء واقع افتراضي من الممكن أن يؤثر على الفرد في حالة التعمق به وعدم التفريق بين واقعه الحقيقي والافتراضي.
أتاحت التكنولوجيا سهولة في التعامل مع الحياة، فقد أصبحت جسرًا بين العائلة والأصدقاء، أي أنها سهّلت التواصل بينهم.
كما أنها بسطت عملية البحث عن المعلومات في البحوث العلمية أو حتى الفضول الشخصي.
أضافت العديد من وسائل الترفيه للجيل الحالي، حيث انتقلنا من وسائل ترفيه محدودة إلى وسائل ترفيه أكثر تشبعًا مثل الألعاب الإلكترونية، والأفلام الكرتونية والسينمائية، ونشر المحتوى الإبداعي على مواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى توفيرها فرصًا عديدة للعمل مثل إنشاء محتوى فيديو، تطوير التطبيقات، التجارة الإلكترونية، والخ…
مزايا التكنولوجيا ومشاكلها للجيل الحالي
ولكن مع كل المزايا التي قدمتها التكنولوجيا، سببت العديد من المشاكل للجيل الحالي، منها حالات الإدمان مثل إدمان الألعاب الإلكترونية وإدمان الأرقام في عالم السوشيال ميديا.
إضافة إلى قتل الإبداع عند الكثير من الشباب بسبب كثرة التعرض واعتمادهم بشكل رئيسي على الذكاء الاصطناعي.
فبدلًا من اعتباره صديقًا للنقاش معه؛ اعتمدوه بشكل كامل للإجابة عن تساؤلات قد تكون مصيرية في حياتهم.
ذلك ما أدى إلى غياب قدرتهم على اتخاذ القرارات، من أبسط القرارات حتى أكثرها مصيرية…
لا تقف المشاكل عند ذلك الحد!
فبسبب الإدمان الشديد قد يفقد المرء هويته، وذاته.
ما يجعله يفقد السيطرة على مركبه، تتهمش أحلامه وأهدافه، تكثر حالات المماطلة والتسويف عنده، يُصاب بالكآبة والصداع، ويصبح التعامل مع الآخرين بالنسبة له عملية بالغة الصعوبة!
يقود بنفسه إلى الانعزال والانطواء على ذاته مع واقعه المزيف، ليمثل صورة من صور الرهاب الاجتماعي وبالتالي الفشل مجتمعيًا.
كيف نعرف الوعي الذاتي ؟
الوعي الذاتي، وفقًا لديفيد هيوم، هو إدراك حسي للذات، حيث لا يمكن للفرد أن يدرك ذاته ويشعر بها بدون عملية إدراك حسي.
بمعنى آخر، الوعي بالذات مرتبط بوجود الإدراك الحسي، وعند زوال الإدراك الحسي يزول الوعي بالذات، ولا يعود الأنا موجودًا.
نستنتج من تعريف الوعي الذاتي أنه إدراك للمشاعر والأفكار والسلوكيات، فقد بيّن ديفيد أن الوعي الذاتي هو إدراك حسي، أي أنه يعتمد بشكل رئيس على المؤثرات العاطفية وطريقة تعاملنا مع تلك المؤثرات.
فعلى سبيل المثال: إدراكنا للمواقف المصيرية أو اللحظات المأساوية وتحديد المشاعر التي راودتنا في ذلك الموقف وتحليلها بشكل مناسب.
فمن هذا المنطلق يمكن القول بأن عدم مقدرتنا على تقييم المواقف أو فهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين يعني غياب الوعي الذاتي، وذلك يؤدي إلى صعوبة في اتخاذ القرارات وفشله في تفهم الآخرين، وبالتالي فشل علاقاته الاجتماعية.
الجيل فقد وعيه الذاتي :
وبعد أن فقد الجيل الحالي وعيه الذاتي؛ كان لابد من ملء هذا النقص ومحاولة بناء شخصية لتواكب المجتمع.
فاتجه إلى نافذة العالم (السوشيال ميديا) وتعرّف بذلك على كل مشهور ومشهورة، لكي يلتقط كل فِعل ويركب الموجة مع أفراد جيله.
وإنَّ من مؤشرات ضعف الوعي الذاتي عند الشباب هي:
القلق المستمر من نظرة المجتمع، فأصبح الخارج عن الترند كالخارج عن الملة.
تغيير الآراء والمواقف باستمرار بسبب الخوف من المجتمع والتأثر بالمحيط الاجتماعي، وانعدام الرأي الذاتي أو الخوف من الثبات على المبدأ حتى وإن كان صحيحًا.
صعوبة اتخاذ قرارات مستقلة خوفًا من المجتمع، فيخشى النبذ المجتمعي أو اعتراض أفكاره منهم.
فقدان الشغف والطموح، فلا يحبذ أحدٌ العيش مع كبت آرائه إذ يتلاشى شغفه وطموحه نتيجة ذلك الكبت والخوف.
كيف ننمي ونصقل الوعي الذاتي؟
1- التأمل: قد يرى البعض أنه مضيعة للوقت وعبث، لكن في واقع الأمر إن التأمل يؤدي إلى الاسترخاء نتيجة الابتعاد عن المشتتات والتفكر مع ذاتك، وتحديد مشاعرك تجاه عدة مواقف في وضع ساكن وهادئ.
2- الكتابة والتدوين: يجد البعض صعوبة في التأمل، إذ يعتمد على صفو العقل والتركيز والهدوء، لذا قد تكون الكتابة حلًا مجديًا في هذه الحالة.
فكتابة المشاعر على الورق، أو كتابة الأهداف الرئيسية التي نطمح لتحقيقها خلال هذه السنة -على سبيل المثال- هي حل مثالي لصقل الوعي الذاتي.
3- طلب التغذية الراجعة من الأشخاص الموثوقين: من المهم طلب المساعدة في معرفة نقاط قوتنا وضعفنا والنقاش في طرق تحسين الذات من أشخاص نثق بهم.
4- المواجهة بدل الهروب من الأخطاء أو العيوب: الهرب من المشكلة لا يحل المشكلة، وإنما يعد مجرد تلافي وتجاهل لتترك فجوة تكبر مع الوقت، لذلك الالتفات للمشكلة وحلها بالطريقة الصحيحة يعد الحل الأمثل.
5- العزلة الإيجابية والابتعاد عن الناس السلبيين: من حينٍ لآخر يتوجب على المرء العزلة وقضاء الوقت مع ذاته، يفهم مشاعره من خلال هواياته أو التأمل، يدوّن مشاعره وقد يرسم أفكاره -وهي طريقة أخرى للتعبير عن الذات-.
ونهاية المطاف، نقول بان الجيل عليه أن يتعلم أن العودة إلى الداخل أهم من اللهاث وراء الخارج، فالذي يعرف نفسه حقًا؛ لا يتبع المجتمع الملوث بل يقوده، ويعيد إليه البوصلة المفقودة.
فرحلة الحياة تعتمد على العثور على المعنى وليس التسابق بلا هدف في مضمار بلا نهاية وعدّائين تائهين.
فمن وجد نفسه كمن وجد الضياء في نهاية النفق، وحرر ذاته من القيود المفروضة والتي تعدم كل معنى للحياة.