فاطمة الجنابي
تُعد اليوم شريحة الشباب في العراق محور الاهتمام والقلق في آنٍ واحد، بسبب التحولات السريعة التي شهدها العالم بمختلف الأصعدة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو التكنولوجية. شهد المجتمع العراقي قفزة نوعية من التأثيرات والتحولات السريعة من عالمٍ إلى آخر، مثل الانغلاق والضياع إلى الانفتاح والحداثة، ما أدى إلى فجوة وتفاوت في العقليات والأفكار.
ومع ظهور التقنيات الجديدة والرقمية الحديثة؛ تمكنت من اجتياح عقول الجيل الحالي بتشتيتهم وتخديرهم.
لكن يبقى السؤال.. هل التقنية هي من تتحكم بنا اليوم؟ أم أننا نحن من نتحكم فيها؟
لعل أبرز أسباب ضياع الجيل الحالي والجديد، هو التطور الذي خدعنا بإيجابياته قبل النظر إلى سلبياته.
ومع كل تطور حاصل، تزداد نسبة التشتيت ويترك الإنسان عاجزًا عن القيام بأعمال بسيطة.
لا دفاع لهكذا جيل، فعلى الرغم من كافة وسائل التشتيت المحاطة بهم، إلا أن كل إمكانيات التعلم والتطور أصبحت متاحة بين أيديهم.
فاليوم، أصبح البحث عن معلومة يتم من خلال نقرة، والحصول على شروحات لأي مجال من خلال نقرة أيضاً!
فهل يا ترى.. نحن جيل يبحث عن أعذار؟ #أم أن الإيقاع العقلي يفضل البقاء في دائرة الراحة بين نعيم الملهيات والتخدير العقلي؟
وهل الملهيات في العصر الحالي يمكن تصنيفها كوسائل ترفيهية أم هو تعفّن عقلي؟
ومع النظر إلى أوجه المقارنة بين الجيل السابق والحالي؛ نلاحظ أن التطور قد غدق بكل ما يحتاجه الإنسان للتعلم
والعمل ومع الاحتياجات الجديدة للفرد؛ أتاح التطور مجالات جديدة للعمل فيها كصيانة لهذه التقنيات.
أما الجيل السابق، فليحصل على معلومة معينة؛ يجوب كل مكتبة ويسأل كل ذي اختصاص لينتزع “معلومة”.
اندثرت العديد من الأعمال بسبب التطور الذي اكتسح المجتمع، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان.
فقد كانت أغلب الأعمال تُنجز يدويًا، وكان الطلب على الأيدي العاملة مرتفعًا، لكن اليوم يتم الاستغناء عنهم لتقليل الكُلف وزيادة الإنتاجية، كـالعمل في الشركات أو المصانع.
أما بالحديث عن الأجيال الحديثة، بعيداً عن طبيعة العمل وطرق الترفيه وإلى آخره من الأمور،
أنتج التطور فجوة محدثة العديد من التناقضات نتيجة توغل الجيل الجديد المعروف بجيل Z من خلال نافذة مفتوحة عبر العالم أجمع.
فأصبح يلتقط أفكاراً وآراءً من كافة دول العالم، وبالتالي انسلاخ الفرد من هويته الأصلية وتداخل مبادئ ومعتقدات وقيم جديدة مختلفة عن الجيل السابق.
الواقع_العراقي: لا ننكر أن التطور قد محا الكثير من الأعمال التي كانت في السابق،
لكن ما يجب على الجميع معرفته؛ هو أن مجال العمل قد تجدد وبات من الضروري التكيف والتأقلم مع هذه التغيرات.
إن الجهل في متطلبات الجيل الحالي، والبقاء في دائرة الجيل السابق الضيقة والتي تزداد ضيقًا يومًا بعد يوم، وعدم التغلغل في ثنايا الواقع الجديد، يقلص فرص النجاة عملياً .
الفرص_والتحديات: ومع كل المعرقلات التي ذكرناها سلفاً، نحتاج إلى فهم كيفية تحقيق الغاية وسط عالم “سهل التنافس”
والسبب يعود إلى أن النجاح يُصقل بسرعة ويَندثر بنفس السرعة! وأن النجاح أصبح مرهوناً بركوب الموجة.
في عصر تسارع المعلومات، أو ما يُعرف بالعصر الرقمي الذي تحوّل وبسرعة من الاقتصاد الصناعي إلى الرقمنة والتكنولوجيا؛ بات التكيف مع هذا العصر واجبًا، لا سيما التعامل المنهجي في الجامعات ومعرفة ما يتجه إليه العالم الحالي.
سوق العمل اليوم، لا يشبه سوق العمل بالأمس، وسوق العمل اليوم لا يشبه ما في الغد!
فالعالم يتصاعد فيه التجديد يوماً بعد يوم، وقفزة التطور لا تنتهي، وإن العمل وفقًا لرغبات العصر هو صفقة لا خسارة فيها.
ختاماً_نقول: نحن جيل في منطقة رمادية بين الحظ والمتاهة، وبين الامتياز والارتباك، لسنا ضحايا بالكامل ولسنا محظوظين بالكامل، لكننا من يختار مصيره في الانصياع للمعتقدات القديمة أو العثور على الطريق إلى أذهان العالم الجديد.
وبإعادة طرح سؤالنا الجوهري:
“أ نحن جيل محظوظ أم تائه؟”
نصل إلى إجابة مقنعة وهي؛ مهما بلغ التطور أشده وعصفت الظروف عكس مراكبنا، نجد أن هناك منفذًا يمكننا من خلاله الولوج والعثور على ذاتنا في الحياة،
حتى وإن تشوّهت الهوية ومزق الانفتاح كل ما بُني من قيم ومبادئ، نجد أن لا تزال معالم الإنسانية والعقلانية محفورة في داخلنا.
لذا إن شاء المرء تغيير نفسه، فسيفعل وإن ضيّع الطريق.