الدوحة: خاص/ طلال العامري
في إطار جهودها الرامية إلى بناء إرث مستدام لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، تعمل اللجنة العليا للمشاريع والإرث على الاستفادة من التوجيه السلوكي في الحد من النفايات، والتوعية بأهمية إعادة التدوير، والمحافظة على البيئة، على طريق استضافة البطولة الأكثر استدامة في تاريخ كأس العالم.
وتهدف اللجنة العليا من خلال أنشطة مؤسسة السلوك من أجل التنمية، التي أطلقتها في 2016 كأول وحدة متخصصة في التوجيه السلوكي بالمنطقة، إلى استثمار العلوم السلوكية في صناعة سياسات قائمة على حقائق علمية في قطر وخارجها عبر إجراء تجارب علمية دقيقة، ونشر المعرفة والإسهامات في هذا المجال، من أجل إحداث أثر إيجابي في حياة الأفراد والمجتمعات، وبناء رأس المال البشري والمعرفي في حقل التوجيه السلوكي، تماشياً مع أهداف استراتيجية الاستدامة لبطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢.
وشهدت بطولة كأس العالم للأندية التي استضافتها قطر العام الجاري سلسلة من التدخلات أعدتها ونفذتها مؤسسة السلوك من أجل التنمية شملت إجراءات لتقليل النفايات، وضمان استخدام المواد أو إعادة تدويرها، وتدريب فرق العمل، وتوزيع سلال نفايات تسهّل على المشجعين والعاملين فصل المخلفات، وبناء علاقات تعاون مع الشركات لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى سماد، بعد نقلها مباشرة من أماكن إقامة المباريات.
وقال خوسيه ريتانا، مدير الاستدامة في بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022: “أدركنا منذ وقت مبكر أن بذل أقصى الجهود الممكنة لا يغني عن ضرورة الدراسة الجيدة للإجراءات التي من شأنها التأثير على سلوك الأفراد من أجل تحقيق الاستفادة المثلى من نظام فصل النفايات. فقد يؤدي الفصل غير المتقن للنفايات إلى توجيه أطنان من النفايات القابلة لإعادة التدوير إلى مدافن النفايات.”
وأكد ريتانا على أهمية التعاون مع مؤسسة السلوك من أجل التنمية عدة مستويات، مشيراً إلى أن العمل بين الجانبين لا يقتصر على ضمان أن يأتي جمهور كأس العالم في قلب الجهود الرامية إلى استضافة نسخة مستدامة من المونديال في 2022، بل يمتد إلى بناء المعرفة والخبرات التي من شأنها الإسهام في الحد من النفايات خلال الأحداث الرياضية بالمستقبل.
وجرى تنفيذ ثلاثة تدخلات سلوكية في استاد المدينة التعليمية، الذي استضاف أربع مباريات خلال مونديال الأندية، بما فيها نهائي البطولة بين بايرن ميونخ الألماني وتيجريس أونال المكسيكي. وركزت هذه الإجراءات على التخلص من النفايات، بهدف جمع البيانات حول سلوك المشجعين مخاطبتهم برسالة محددة مقارنة بالمناطق التي لا تحتوي على رسائل إرشادية للجمهور.
وخلال أحد التدخلات السلوكية التي شهدتها البطولة وضعت فرق العمل أزواجاً من صناديق النفايات في جميع أنحاء الاستاد، أحدهما مخصص للمواد القابلة لإعادة التدوير والآخر للنفايات التي لا يمكن تدويرها، ثم تثبيت لافتة أعلى هذه الصناديق تشجّع الجمهور على الإسهام في هذه الجهود، والتحقق من مدى تأثير محتوى الرسالة على سلوك المشجعين.
وهنا تكمن أهمية التجربة في قياس سلوك الأفراد؛ فعند بعض سلال النفايات وضعت رسالة “شارك في إعادة التدوير”، في حين جاءت الرسالة عند صناديق أخرى بمحتوى أكثر إلحاحاً أو اقناعاً، مثل “احرص على فعل الخير. وشارك في إعادة التدوير بطريقة صحيحة”، وذلك بهدف تسليط الضوء على القيمة الأخلاقية لإعادة التدوير، والتشجيع على اتباع هذا السلوك. وقد أسفرت الرسالة الأخيرة عن عدد أكبر من التفاعل المنشود من جانب المشجعين عند هذه الصناديق، مقارنة بالسلال التي وضعت عندها الرسالة البسيطة.
وفي هذا السياق أكد الدكتور فادي مكي، مدير مؤسسة السلوك من أجل التنمية، أن الاستفادة من التوجيه السلوكي يعزز السياسات القائمة على الأدلة في التعامل مع التحديات ذات الجذور السلوكية، مشيراً إلى أن ما قد يبدو أنه تدخلات بسيطة يقطع شوطاً طويلاً في توجيه عملية صنع القرار للأفراد بشكل يومي بطريقة تؤدي إلى إحداث تأثير أكبر على صعيد الاستدامة.
وأضاف: “عندما نرى هذا الدور الفاعل للمشجعين في استدامة حدث رياضي ضخم مثل كأس العالم؛ فلا شك أن اتباع العلوم السلوكية في هذا المجال سيقربنا كثيراً من معرفة أفضل الوسائل لتحفيز المشجعين على سلوك بعينه، ليسهم سلوك الجمهور في تقليل الهدر في المواد، والحد من المخلفات خلال البطولة وفي المستقبل.”
من ناحية أخرى؛ تناول تدخل سلوكي آخر خلال مونديال الأندية بالدوحة قضية إلقاء القمامة، حيث جرى نشر ملصقات أرضية كبيرة بين صفوف المقاعد في مناطق معينة باستاد المدينة التعليمية حملت رسالة: “انتظر.. فضلاً لا تترك نفاياتك وراءك”.
وشكّلت هذه الرسائل، التي نُشرت بالعربية والإنجليزية، تذكيراً بصرياً بالغ الأثر للمشجعين بعدم ترك أي مخلفات على مقاعدهم أو حولها بعد نهاية المباراة. وأظهرت النتائج انخفاض مستوى إلقاء النفايات في المناطق التي احتوت على هذه الملصقات، مقارنة بتلك التي لم تُنشر فيها هذه الرسائل التي تحث المشجعين على تجنّب إلقاء المخلفات في الاستاد.
وجاء التدخل السلوكي الثالث في صيغة استبيان قصير نشرته فرق العمل في أنحاء المدينة التعليمية على ملصق يحتوي على رمز الاستجابة السريع “كيو آر كود”، لتشجيع الجمهور على المشاركة في الاستبيان والدخول في السحب للفوز بكرة قدم تحمل توقيع النجم الإسباني “تشافي هيرنانديز” سفير إرث قطر.
تناول الاستبيان العديد من الجوانب من بينها التحقق من أثر توجيه دعوة فردية للقيام بعمل ما على مدى استعداد المشجع للالتزام بالسلوكيات المستدامة، وذلك عبر رسائل مثل: “يتوقف الأمر عليك في استضافة بطولة دون نفايات”. وقدم هذا الاستبيان رؤىً معمقة حول مستويات معرفة المشجعين بإعادة التدوير، وسيسهم بشكل كبير في جهود فريق قطر 2022 في مشوار الإعداد للنسخة الأولى من المونديال في المنطقة.
يشار إلى أن مؤسسة السلوك من أجل التنمية التي أطلقتها اللجنة العليا قبل نحو خمسة أعوام تحت اسم: وحدة قطر للتوجيه السلوكي، انضمت إلى مؤسسات مركز قطر للمال في العام 2019، في خطوة تعكس التزامها تجاه توسيع نطاق عملها في أنحاء العالم. وتتعاون المؤسسة مع الشركاء، وصنّاع القرار، والمؤسسات، والأفراد، في إجراء تجارب علمية تترك أثر اجتماعياً إيجابياً، وقد أجرت المؤسسة العديد من التجارب السلوكية في قطر، ونظّمت ورش عمل ومبادرات لبناء القدرات في دول عدة بالمنطقة.