منوعات

من الذاكرة الكربلائية ..المشهد الستون (حِرَفٌ أتقنها عراقيون)

 

 حسين أحمد الإمارة

حكى لي أبي (رحمه الله ) يوماً فقال..

توجهت صباحاً إلى موقع العمل في دارنا الجديد كالمعتاد، حاملاً الإفطار للعمال.
شاهدت أحد العمال جالساً بجانب كومة الطابوق.
ما إن رآني حتى أقبل مسرعاً يرجوني أن أعيده للعمل فقد طُرد من قبل المعمار المشرف على البناء المرحوم (عبد الحسين زيارة ) وهو من تولى تخطيط الدار والإشراف عليه .

ناديت عليهم لغرض تناول الإفطار، تجمعوا في مكان واحد، وأنا مسكت يد المعمار أبو علي، مستفسراً عما حدث لهذا العامل وسبب طرده من العمل.

طلب مني أن أعطيه أجرة يومه وإبلاغه عدم عودته ليوم غد .
رجوته أن يسامحه ويوجهه للقيام بعمل آخر للاستمرار معنا ،فلا وجود من معيل لعائلته غيره .

رد المعمار قائلا….
لولا محبتي لك يا أبا صاحب لما سمحت له بالعمل معي. وهذه آخر فرصة له ،فإني موكل بإنجاز العمل بفترة محدودة وجودة عالية.

الإخلاص في العمل هي السمة الغالبة عند الناس آنذاك.
لذا نجد كل ما بُنيَ في ذلك الوقت يحمل مواصفات عالية ويتميز بمتانة وقوة تكفيه للصمود أمام عوادي الزمن ومتغيرات الطقس.
ولازال الكثير منها قائم على الرغم من عدم وجود ثقافة الإصلاح والترمييم .

لقد برز الكثير من الحرفيين الفنيين العراقيين في جميع الصناعات والحرف الشعبية التي عُرفت آنذاك في الأعمال الصغيرة منها والكبيرة.

فقد تمكن الفنيين النجفيين من عمل أجسام (بديات) للسيارات الكبيرة، وفيما بعد تولى الفنيين في معامل ومصانع الإسكندرية بتصنيع مختلف المكائن والمعدات الزراعية وحافلات النقل وشاحنات الحمل.
كذلك تميزوا في الصناعات الخفيفة والكهربائية والإلكترونية والغذائية والفوسفات والاسمنت والطابوق وغيرها، مما تحتاجه السوق العراقية في مصانع ومعامل إنتشرت في أغلب مدن البلاد.

حتى الأشغال والحرف اليدوية الشعبية هي الأخرى بدأت بالاختفاء والاندثار، بعد أن كان لصوت طرق الاواني والقدور مكاناً في سوق الصفارين.
وفي سوق الصاغة (الذهب والفضة ) الذي اشتهرت بها المدينة .
وسوق( القندرچية والرگاعين والبستايچية ).
وصانعي مستلزمات عربات الخيول والحمير.
والآن أصبحت أغلبها مكاناً لتسويق ما يستورد من الخارج حالها حال بقية الحرف مثل النجارة والخياطة وحتى مصانع التعليب والألبان هي الأخرى أغلقت وعاد العمال إلى بيوتهم يبحثون عن فرصة عمل أخرى .

متى يسترجع العراق عافيته ومكانته..

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى