طلال العامري
- بلا مزاد “مدينة” للبيع..
- استعراض كبير لمحتلّين جدد تحوم فوقهم طائرات مقاتلة..!
- قطع الاتصالات وإيقاف الأنترنت في عموم الموصل قبل خطبة البغدادي..!
- جثث ملقاة في الوديان أو قرب معمل البطاطا
- أين “الدواعش” ومن كان يسيّر المدينة في الأيام الأولى..؟؟
- حرب الإعلام تستعر وأهل الموصل هم الضحيّة..!
- أحاديث القادة “تتباين” لا تعرف صدقها من هزلها..!
- غرائب وعجائب لفخٍّ نصب بإحكام تكشف لأول مرة..!
- “كذبة” استلام الجمّاس منصب المحافظ خلط الأوراق وشتت الأفكار..!
- “مجزرة جريمة سبايكر” أبكتْ كل شرفاء الموصل وأعادت حسابات كثيرة..!
أصابنا الإعياء وسيطر علينا التعب والإرهاق،
عانينا الكثير بعد الوصول إلى الدار نتيجة “رحلة الهروب والعودة” وأصبحت قوانا الجسدية واهنة خائرة تتأثّر بـ”نفخة” “هواء” تُزفر من فمٍ وليس نسمة نحتاج مثلها في تلك اللحظات..!
حمدنا الله كثيراً، لأننا “كنّا” نمتلك الكثير من الأدوية ومواد الإسعافات الأولية الطبية مع المضادات الحيوية، التي كنّا نحتفظ بها في منزلنا المتواضع، لا للعودة إليها ساعة الحاجة فقط، وإنما “كونها” تكمل دراسة ابنتنا الكبيرة في سلك العلوم الطبية وكما سبق وقلنا: كان متبقياً لها (امتحان واحد) ومن بعده تصبح حاملة لشهادة البكالوريوس “طب سريري” ممرضة جامعية، تؤهّلها العمل كمساعد جرّاح..!
استثمرت ما سبق وتلقته من علوم عن السنوات الأربع وقامت من فورها لتسعف والدتها التي أخذت ملامحها تتغيّر تدريجياً متمسّكة بالحياة وعاد دمها سارياً بالعروق من جديد ونحن جميعاً نراقب تطورات وضعها بقلق وخوف.. نلهج ونبتهل بالدعاء إلى الله أن يمنّ عليها بالشفاء وعلينا بالسكينة، كي لا نضطرّ الذهاب إلى أي مستشفى قريب كان أو بعيداً ولا يحوجنا اللجوء لطبيب “خارجي”..!
الأوضاع التي شاهدناها خلال كوابيس العودة، كانت كفيلة لتنميّ إحساس عدم الاطمئنان فينا بالمرّة وأصبح لزاماً من لحظتها الحساب لكل خطوة وحركة نقوم بها، وإلا ارتدّت “علينا”..!
لآن من أشيع أنّهم سيطروا على كامل المدينة، لم نكن لنعرف عنهم أي شيءٍ أو سبق وأن رأينا وغيرنا من أبناء الحيّ أحداً منهم مطلقاً..! وصدق من كان يسميهم عندما يفتح أي حوارٍ عن تصرفاتهم وحركاتهم وقتها بألـ(أشباح)..!
أجل سادتي.. الموصل ابتلعها “أشباح” من الذين كانوا بالأساس لا يعدون عن “شلّة” قليلة، كبّروها بالشاعات..!
اعتدنا من زمنِ الحِصار الشامل المفروض على العراقيين لأكثر من عقدٍ، ابتداءً من مطلع تسعينيات القرن العشرين بالتحديد، التسوّق بكميات كبيرة وربما “هائلة” أحياناً تحسّباً لأي طارئٍ يطرأ غفلة والعراق ما شاء الله بلد الطوارى.. حرب تأخذه وأخرى “تذهب به” وهو ما كان قبل سقوط مدينة الموصل أيضاً..!
إنصبّ تركيزنا على تخزين المواد الجافة والمعلبة مع مختلف أنواع الأجبانْ وبيض المائدة، الغذاء الرئيسي المتكامل، وحمدنا الله كثيراً على خزيننا الذي “يكفينا” السؤال والحاجة لغير الرزّاق الكريم، ليس لأيام، بل لشهورٍ عديدة قادمة إن قررنا الإعتكاف في الدار..!
نال منّا الإستغراب كثيراً، فَالتيّار الكهربائي “الوطني المسيطرٌ عليه من حكومة المركز في بغداد” لم ينقطع أو يقطع في سابقةٍ لا نعهد شبيهة لها لسنواتٍ مضت، الكهرباء بقي معيناً لنا، كي نتابع من خلال التلفاز كل ما يحصل أو يجري في مدينة تركوها وهروب من كان يفترض بهم أن يحموها ومنْ فيها..
أغلب ما كان يخرج عن تلك القنوات التي نتابع هو الكذب بعينه، لم نجد من ينقل الحقيقة كما هي وحتى الاتصالات الهاتفية التي كانت تجرى مع من يظهرون كـ”ضيوف”، غالبها تم فبركته وجيّر لصالح جهات أرادت الخراب للمدينة وليس تقوية عزيمة أهلها وشبابها لعملِ شيءٍ..
نتوقف هنا ولا بأس أن نُذكّر بتسلسل الأحداث كما أعلن عن طريق جهاتٍ محايدةٍ أو هكذا رأيناها.. ونبدأ من
الخامس من حزيران 2014 ونكمل تتابعاً:
محافظ نينوى آنذاك “أثيل النجيفي” يقول: إنه “لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا أطرافها”، ويؤكد أن السلطات الأمنية (قيادة العمليات الثلاثية وأكثر) فرضت حظراً للتجوال فيها كـ”فعل احترازي” يطبّق فوراً في هذه المدينة التي تشكّل عاصمة المحافظة وتقع على بعد “400” كلم شمال بغداد وهي أولى كبريات المدن العراقية بعد العاصمة بغداد وقبل البصرة..!
السادس من حزيران:
قوات محدودة تابعة لـ”تنظيم الدولة الإسلامية” تدخل مدينة الموصل وخاصة أطرافها في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير هنا “نصوّب” دسّ السمّم بالعسل أو التلاعب للتهيئة لشيءٍ أكبر وتذكرون حين عدنا من بغداد وماذا قلنا وشاهدنا”.. يكمل “ناقل الخبر” وقد قتل 12 شخصا وأصيب العشرات بجروح في هجمات بسيارات مفخخة واشتباكات مسلّحة داخل وحول المدينة
(تصويب آخر “حول” نعم أما داخلها فكذبٌ بيّن.. وإلا كيف دخلنا الموصل يوم السادس من حزيران بعد ليلةٍ قضيناها في العراء..؟
“يكمل ناقل أو من بثّ الخبر” واشتبكت قوات التنظيم مع من لم يهرب من عناصر الفوج السابع من الشرطة المحلية (بقي منهم 40-50 مقاتلا) مدة ثلاثة أيام دون أن تتلقى هذه العناصر أي مساعدة من “قيادة العمليات”، مما أدّى إلى انهيارها في النهاية، فتح الباب أمام انهيارات أمنية متلاحقة..!
“تصويب” (الموصل كانت متأزّمة الأوضاع أجل، فتحت ثغرات في الأطراف هذا صحيح لكن داخل الأحياء.. هو الكذب الأشرّ..! لأن أيسر وأيمن الموصل لم يطرقه أحد بل بقي الأيسر بعيداً عن أي شيءٍ لأيامٍ خلت حتى بعد إحتلال المدينة “صورياً ودعائياً” وكانت الأحياء التي ذكرت وتحديداً أيسر المدينة لم يطأها أحد من “التنظيم”..!
يوم السابع من حزيران:
نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل، خشية التعرّض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلّحي التنظيم، والقوات الحكومية تؤكد استعادتها “السيطرة على 90%” من مدينة الموصل إثر قصف الجيش للمناطق التي سيطر عليها المسلّحون، مما أدى إلى “قتل 105 من المسلّحين وتدمير عشرين من سياراتهم المزوّدة بأسلحة آلية مما منعهم من السيطرة على الأرض”..
(“تصويب” كل ما جاء عن اليوم السابع، ليس أكثر من روايات تم تناقلها بحرفنةٍ ناتجة عن دراسة عميقة، كي تؤثّر في الشارع الموصلّي وتحبط معنويات من كانوا في واجباتهم كـ”قوّاتٍ أمنية” مختلفة العناوين والارتباطات..! وحصل ذلك لأننا حين نسمع، لا نرى سوى الكلام فقط ومن في الداخل يعرف أكثر ممن في الخارج..! الغريب في الأمر أن الذي كان يُتداول وقتها، نتج عن المحاولين لاقتحام المدينة..! وبذلك بات الأغلبية يستقون الأخبار عنهم أو من مؤيّدين لهم أو أولئك الذين سبق وأعلنوا نفورهم من كل شيء..!
كيف أحتلت الموصل وعبد الله لم يأتِ بعد من الأيمن وسط الموصل..؟ وأين هي تلك الجثث إن صدقت الروايات، لأنّ من احتلوا الموصل وابتلعوا أطرافها لا يتجاوز عددهم ألـ(330 نفر) بحسب كل وكالات أنباء العالم.. فإن قتل منهم العدد المذكور، يعني “نصف قوّتهم فقدوها”)..!
الثامن من حزيران:
استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش الرسمي الذي نفّذ قصفاً عشوائياً على المناطق التي يسيطر عليها المسلّحون ويسيّرون فيها دوريات، معلناً أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لـ”تطهيرها من المجاميع الإرهابية”..
(“تصويب” ازداد عدد من نزحوا وحين كنّا نسألهم هل رأيتم أحد منهم “المسلّحون” تأتي الإجابة بالنفي..! وحتى عبد الله الذي جاء إلى منزلي ليلة ” ثمانية على تسعة “سمع ولم يرَ” فكيف شاهدوا هم ونقلوا الأحداث أم هي أخبار أعدّت سلفاً..؟)..!
التاسع من حزيران:
الشرطة الاتحادية تنسحب دون أي قتال من مقراتها في منطقة الموصل الجديدة وحي الرسالة وتحرق تلك المقرات..!
ومن جهة أخرى وفي نفس اليوم هاجم “13” مقاتلاً من “تنظيم الدولة” وحدة من الشرطة الاتحادية، كانت تشكل خطّ صدٍ عن المدينة، لكن أفراد الوحدة فرّوا، ثم حدث انهيار كبير، خلال ثلاث ساعات في قوات “الفرقة الثانية” من الجيش العراقي، بعد أن شاع بين الجنود أن القادة الكبار في “قيادة العمليات” قد هربوا وقطعوا الجسور خلفهم على الساحل الأيمن من المدينة..!
(“تصويب يدمي القلب” يوم عدت من بغداد كانت هناك قطعات عسكرية تنسحب أي يوم الخامس من حزيران حسب رؤيتنا بأمّ العين وليس نقلاً، مما يعني أن من بقيّ في الموصل هم “قلّة قليلة جداً” من القطعات، ثم هناك فرقة عسكرية تنتشر في أطراف الموصل والمحافظة، كيف مرّ قربها “أنفار التنظيم”..؟ أما تأكيد هروب القادة الذي ذكرناه، تم تعزيزه، رغم وجود الكثير من التضليل)..
العاشر من حزيران:
مئات من مسلحي تنظيم الدولة يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل، طاردين القيادات السياسية والأمنية والقوات الرسمية التي تقدر بثلاث فرق من الجيش والشرطة (ما بين 40-50 ألف مقاتل) مجهزة بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأميركي، والتي أصيبت بـ”انهيار أمني كامل” حسب تعبير وزارة الخارجية الأميركية..!
(“تصويب هامٌ” كم هم كاذبون والدليل: أننا عدنا والعائلة ولم نرَ سوى “ملتحٍ” واحدٍ من “برطّلة إلى المنزل” يعني بحدود “30 كلم بشكل شبه مستقيم” ومن زار محافظة أربيل من جهة مرقد النبي يونس عليه السلام، يعرف ما قصدناه، فأين اختفت المئات التي قالوا عنها..؟ ليبقى اللغز بلا حلٍّ)..
“نكمل عن ناقل الخبر” وفي أول إجراء اتخذوه، فتح مسلّحو التنظيم سجن بادوش الخاص بجرائم الإرهاب والجرائم الكبرى وسجون مراكز الشرطة في المدينة، وأطلقوا سراح مئات المعتقلين المحكومين فيها على ذمّة قضايا أمنية..!!
(“تصويب” هذا الشطر “صحيح” ولكن متى حصل ذلك..؟ حين تم تسليم الأيمن، انتقل القادة من خلال البيانات إلى الساحل الأيسر وأذاعوا الكثير منها، وربما عادت بكم الذاكرة لسطورٍ سابقة ونحن نتحدّث عن “هروبهم وبياناتهم” أثناء التسابق معنا..!
من قائد مغمورٍ لا يعرفه سوى قلّة في محيط عمله وقضايا تم تناقلها عن الرجل (صدقت أم كانت إفتراءً، نحن لا نعلم) عموماً برز اسم اللواء مهدي الغرّاوي قائد “عمليات نينوى” وراح رجل الشرطة الاتحادية في الموصل برتبة عميدٍ قبل ترقيته إلى لواء وإسناد مهمة قيادة لفرقٍ متعددة وقطعات محلية، كلّها أصبحت بإمرته هو.
ولمزيد من الفائدة اقتبسنا جزءٍ من تحقيقٍ أجري عن تلك الأيام نضعه كما جاء وحسب مصدره وكذلك تصريحات وآراء حسب مصادرها هي الأخرى وتدخّلنا بتصحيح بعض الكلمات لغوياً أو إملائياً وطباعياً..!
{في تحقيق أجرته وكالة “رويترز” كأبرز العالمين بخبايا ملف سقوط المدينة بقبضة “داعش”.. ورغم أن الغرّاوي يواجه محاكمة عسكرية بتهمة التقصير، إلا أن الجهة التي أصدرت أمر الانسحاب بعد هجوم “داعش” على المدينة في حزيران لا تزال غير واضحة..
يرفض الغراوي الاتهامات بمحاولة الهروب من المعركة، ويلقي اللوم على واحد من بين ثلاثة أشخاص بإصدار الأوامر النهائية:
عبود قنبر نائب رئيس الأركان وقتها، وعلي غيدان قائد للقوات البرية، ورئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي الذي كان يوجّه كبار الضباط بنفسه..
وفي لقاء مع موقع قناة “الحرة”.. رأى خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية “وفيق السامرائي” أن المسؤولية مشتركة وجماعية، سواء طالت أطرافاً عسكرية أو سياسية، أو المحافظ وقائد العمليات..!
لماذا “سقطت” الموصل؟
يشير تقرير “رويترز” إلى أن القيادة السياسية لم تتوقع السقوط واعتبرت أن قوات الجيش المرابطة هناك تستطيع التعامل مع أي موقف، كما أن حكومة المالكي رفضت طلباً للغرّاوي بإمدادات عسكرية، حتى دخل عناصر التنظيم بالمئات يوم السادس من حزيران
يشير أيضا إلى حقائق صادمة بالنسبة لعتاد وتعداد القوات، فخطّ الدفاع الأول اللواء السادس بالفرقة الثالثة ضمّ حوالي 500 مقاتل فقط وكانت تعوزه الأسلحة والذخائر، بسبب نقل مشاة ومدرعات ودبابات إلى الأنبار..
كما أن أعداد الشرطة والجيش لم تزد عن 10 آلاف عنصر، رغم أن الموصل واقعياً، كانت تحتاج إلى 25 ألف عنصر. ولم يبق أي دبابات بحسب الغرّاوي.
في إحدى نقاط الدخول كان عدد الجنود ليلة السادس 40 جندياً فقط، وفي كتيبة 17 تموز لم يبق سوى رشاش واحد.
استولى “التنظيم” يوم السادس على خمس ضواح من ناحية الغرب وهاجم مركز الشرطة في 17 تموز، وبدأ فرار عناصر الشرطة والجيش من الناحية الغربية..
ووصل قنبر وغيدان يوم السابع وتوليا المسؤولية الأمنية، قبل أن يتقدم داعش باتجاه فندق الموصل المهجور، مع استمرار تقهقر القوات.
قصف الغرّاوي مناطق سيطرة “داعش” وارتفعت المعنويات قبل أن تحلّ الفوضى.
عزل غيدان وقنبر “قائداً رفض الأوامر” بإرسال قوات للفندق، وهو إجراء وصفه الفريق بابكر زيباري رئيس هيئة الأركان بأنه كان “خِطْئاً كَبيراً”.
100 عربة وأكثر من 400 مقاتل داعشي، عبروا إلى الموصل عصر يوم الثامن، ووقتها نشطت الخلايا النائمة.. وكشف الهجوم على الموصل ضعف الجيش العراقي وهشاشة بنيته العسكرية والاستخبارية.
أمين عام وزارة البيشمركة في إقليم كردستان الفريق جبار ياور صرّح وقتها بأن عدم وجود عقيدة قتالية مشتركة بين عناصر الجيش الاتحادي وضعف الإسناد الجوي عاملان ساهما في الانهيار.
وقال السامرائي لموقع “قناة الحرة”: “أعدادهم لم تكن قليلة كما قدّرها البعض وقتها، لأن بعد دخول مسلحي” داعش”، تحوّل كثيراً من خلايا الموصل إلى جانبهم وأصبحت أعدادهم بالآلاف”..
ومن بين هؤلاء “جيش المجاهدين” السلفي و”جيش رجال الطريقة النقشبندية” بقيادة عزّت إبراهيم الدوري الذي كان نائبا لصدام حسين أيام حكم حزب البعث في العراق، و”تنظيم أنصار السنة” الجهادي فضلاً عن ضباط سابقين في الجيش العراقي المنحل..
وبحسب تصريح سابق للخبير الأمني في المدينة مجيد النعيمي لـ”راديو سوا”، وصل الأمر إلى تسمية هذه التنظيمات لأسماء مسؤولين محليين، لكن أهالي المحافظة أدركوا بعد ذلك أن “داعش” هو الجهة المسيطرة.
معركة الانكسار..
معركة فندق الموصل، بحسب “رويترز”، كانت القشة التي قصمت ظهر الجيش العراقي والشرطة في المدينة، بحسب شهادات مسؤولين.
ففي اليوم التاسع، كان العقيد خالد العبيدي ورجاله يرابطون عند الفندق، عندما اتجهت شاحنة “صهريج” عسكرية لنقل المياه فأطلقت الشرطة النار تجاهها وانفجرت، بعدها لم يعد لخطَ الدفاع الغربي أي وجود..!
أصيب العبيدي ونقل لمنطقة آمنة، لكن عناصر الشرطة أحرقت معسكراتها وتخلّصت من زيّها العسكري، فاجتمع محافظ نينوى أثيل النجيفي ومستشاره مع قنبر وغيدان في قيادة العمليات قرب المطار..!
جاءت التوصيات بالهجوم بالفرقة الثانية في الناحية الشرقية، رغم أن الغرّاوي رفض المجازفة بما تبقّى من جنود، بحسب شهادته.. إلّا أن الأوامر صدرت باستخدام 46 رجلا و14 شاحنة نوع بيك آب وعربة همفي، أي معظم ما لدى وحدته الأمنية..
في المساء، أبلغ قنبر وغيدان الغرّاوي بأنهما سينسحبان إلى الجانب الآخر من النهر..}..
هنا إنتهى الاقتباس وكما قلنا.. لم نتدخّل في مفرداته إلا تصحيحاُ في بعض الأحيان…!!
تعمّدت وضع ذاك الاقتباس وكذلك الشرح على الأيام بتصويبات مقوّسة كي أعزز ما أريد ذكره لأن كثيراً من “الأقنية” خالفت شرائع المهنية وتحديداً اعتمدت بعض القنوات الفضائية، مثل الرافدين والشرقية “محليتان” و”العربية والجزيرة” وكلّها متابعة في الموصل، على أناس ممن كانوا ينامون ويصبحون في “ساحات الذل والمهانة” والتي أسميها أنا بساحات العهر و(الخيانة) لأنّ هذا الوصف أقلّ ما يمكن أن يُطلق عليها.
أولئك الذين ظهروا في شاشات القنوات وحتى قسم من المسؤولين المحليين خدعوا شعب نينوى بالكامل، حين راحوا يروّجون بأن ما جرى كان عبارة عن ثورة مسلحة يقودها عدد من أبناء المدينة من العسكريين والوطنيين وغيرهم ممن ثاروا على الظُلم والطغيان وهو ما كان يلقاه المواطن الموصلي، ليس لذنبٍ سوى، كونه (موصلّي) ومن دون النظر إلى خلفيته القومية والدينية والعقائدية والمذهبية..!
الكل سواسية من حيث تقسيم الظُلم عليهم (عربي، كردي، تركماني، مسلم، مسيحي، يزيدي، سني، شيعي، آثوري، كلداني) كلهم موصلّيون وشهادة أحوالهم المدنية باتت مدعاة للشكِ بهم وتهمهم ليس أكثر من (موصلّي)..!
كان الإعلام الخبيث يسقينا السم الزعاف بلا عسلٍ وَوَجد من يتناوله على “عواهنه” لتكون ساعة نشر الوباء المخطط لها في أرقى المطابخ العالمية..!
لأننا كنا نسكن في منطقة تعدّ شبه نائية، رغم وجودها في قلبِ المدينة، كنت أطلب من أولادي التحرّك بحذر والنظر من فوق السطوحِ، علّهم يرون شيئاً ليخبرونا به..!
كان الحيّ بلا حركة والبيوت خاوية من أهلها، حتى عرفنا بالصدفةِ أن بيت جارنا “أبو زيدان” فيه نوع من الحركة، فخرج “ابني عمر” بحذر واتجه إليهم وعرف أن “أبا زيدان وزوجته وابنه الصغير وقتها (راشد) لم يتركوا البيت”،
فيما سمح الأب للبقية من أفراد العائلة الكبيرة المؤلفة من الأبناء وزوجاتهم والأحفاد، أن يغادروا وأتذكّر عندما جلست معه يوماً وسألته: لماذا لم تخرج معهم أنت أيضاً..؟ كان ردّه: (هو أش بقي بالعمر أبو نورس حتى ننهزم ونتبهدل.. الموت واحد هنا أو هناك).. وإذا تركنا الموصل، من يقول أننا سنعود إليها وإذا نحن غادرناها وغيرنا، ستجد من يأتون بهم ويأخذونها.. لا والله لن يكون هذا..!
أصبح ابني (عمر) هو العين المراقبة لنا، يخرج ويدخل البيت بحذر..!
في حركة “منّا” شعرنا بعدها أنّها مجازفة، أرسلناه إلى الشارع العام ليستطلع الوضع..!
خرج وعاد وفي تكرار المحاولة حال قدومه، يكرر أمامنا (كلشي ماكو) لا حس ولا خبر ولا أحد “ليش ما تصدقون كلامي”..؟
نسأله عن المسلحين فيردّ: والله ما (شفت) أحد منهم..!
سألتُ نفسيّ وقلت: من يسيّر أمور المدينة إذاً؟ وأين اختفوا هؤلاء؟ هل بات الأشباح هم من يحكمون الموصل الآن..؟!
تشجعت أنا الآخر وخرجت إلى باب الدار، جلست وجاري “أبو زيدان” نتبادل الحديث عن الذي ينقله التلفزيون لا أكثر وكنت أقول له:
جماعة “التنظيم” (ما موجودين ليش ما الجيش يهجم الآن ويخلّص المدينة)..؟ كانت الإجابة تخرج مني ومنه (هناك سرّ وأمر مبيّت) الله هو الستّار..!
أعود للمنزل وتأتيني الاتصالات من كل المحافظات وحتى من خارج العراق..!
كنت أرد عليها وأقول للمتصل:
والله لا نرى أحداً ممن يحكى عنهم..!
لم يكن أحد ليصدّق بكلامي ذاك وكان الشكُ واضحاً في نبرات كلامهم..! ساعة أقول لهم: أن التيار الكهربائي الوطني في عموم الموصل كان لا ينقطع، يتفاجأ أغلبهم حتى إعتقد بعضهم، أنيّ أجافيّ الحقيقة لغايات في ألـ(نفس)..!
وأجزم أن من سأذكرهم الآن يتذكّرون ذلك وهم كل من الأصدقاء والزملاء (جعفر العلوجي وإياد الصالحي وإياد الجوراني وخالد جاسم ومحمد خلف والدكتور سعدون ناصر والشهيد صباح الكرعاوي ومحمد جواد الصائغ والدكتور صبري مجيد بنانه وشرار حيدر وأبو زينب المياحي وكامل زغير وغازي الشايع والمهندس سعد علي من الأردن وجبار حميد من كندا وسمير الشكرجي من رومانيا أو هولندا لأنّه كثير التجوال، والدكتور حارس محمد والدكتور عبد القادر زينل والكابتن عدنان درجال من قطر وإحسان العاملي من الإمارات ويونس جاسم القطان من النرويج ولبنان والدكتور موفّق عبد الوهاب وعدي صبّار (أبو جعفر الهلالي) وأبو سلام الدراجي وجزائر السهلاني وحيدر زكي ورائد محمد وجواد الخرسان وحمزة حسين مدير قناة الرياضية العراقية وعلاء سرحان وهشام عبد الستار وعهد فالح وجودة نجدت ومحمود نور الدين من كركوك) وكثير من أهل الرياضة والصحافة والإعلام إضافة إلى أبناء عمومتي في بغداد والنجف وكربلاء..!
أغلب هؤلاء حصلت “لي” مواقف معهم..
منهم سآتي على ذكرها كما هي وبعضها الآخر أراعي فيه أشياء كثيرة لأجلهم وليس لأجلي.. كوني تعلّمت من مهنتي في ميدان الصحافة والإعلام “ليس كل ما يعرف يقال” ولو قلت ولن أقول.. لكوني لست بالثرثار الذي يتاجر بألـ”كلم” من القول..!
لا أنسى بأني وفي فترة ما لاحقاً، تلقيت إتصالات عديدة من الكابتن رعد حمودي رئيس اللجنة الأولمبية والكابتن حسين سعيد رئيس اتحاد كرة القدم الأسبق وعبد الخالق مسعود رئيس اتحاد الكرة وقتها واحمد العلوجي وأبو عمار الداقوتي وآخرين كُثر، آمل أن تسعفني الذاكرة بعدم نسيان أحدٍ منهم وأتذكّر المواقف للكثيرين من هؤلاء وأغلبها كانت مشرّفة جداً.. وحتماً هناك استثناءات..!
لا أنكر بأن الأغلبية كانوا يخافون عليّ وعائلتي من المصير المجهول الذي ينتظرنا وبحكم كون عملي “صحافي وإعلامي” معروف عند أوسع شرائح المجتمع من رياضيين ومثقّفين، لذا كان مكمن الخطورة الشديد عليّ..
أتاني إتصال لم أفاجأ به من الزميل إياد الجوراني وتركّز حول الأوضاع وهل من حاجات “لي وأهلي” يمكن له أن يقضيها.. وما أن شكرته حتى تحوّل الحديث حول إعداد حلقة جديدة له من برنامج “بتوقيت اليوم” الذي كان يقدّم من شاشةِ الرياضية العراقية.. ويومها فعلت ذلك وطلبت منه فقط أن يخفيّ إسمي، لأن الوضع بات غير معروف وبحسب ما كنّا نعرفه عن الـ”مسلّحين” من زمااان، فإنّهم لا يرحمون أحداً ممن يعملون بحقلي الصحافة والإعلام وأكثر شيء يكرهونه هي شبكة الإعلام العراقي وملحقاتها والعاملين فيها..!
أنجزت الحلقة وفيما بعد الكثير من الحلقات (سراً) وعبر الموبايل لا غيره، لأني وتحسباً لأي طارئٍ، كنت أخشى من إرشيفي الضخم وأجهزة الحواسيب واللابتوب، لتبادر زوجتي الحبيبة، حماها الله وتبتكر طريقة إخفاء لا تخطر على بال (الجن الأزرق)..!
بدأت العائلات النازحة من الحي في الأيام التي سبقت أو تلت يوم “العاشر من حزيران تعاود الرجوع إلى دورها وأغلب من عادوا هم أولئك الذين لم يجدوا من يتحمّلهم أو يكون لهم الملاذ الآمن..!
كما أن الحالة المادية هي من تحكّمت بالكثيرين ممن عادوا ورضوا بالموت في بيوتهم على الموت ذلاً في أي مكانٍ آخر..!
ما شجّع أغلبهم على العودة، كانت تلك الإشاعة التي تم الضِحك بها على الجميع والتي إلى اليوم، لا أحد يعرف مصدرها وهي تقول
أن ضابطاً رفيع الرتبة والمكانة من أبناء الموصل إستلم منصب المحافظ فيها وهو السيّد (هاشم الجمّاس) والرجل كان معروف للقاصي والداني في المحافظة والعراق كقائد عسكري وأتذكر أن الصديق “جعفر العلوجي” اتصل بي وقلت له:
أخي أبو أحمد “تقدر” تشرح لي ما يحدث..؟ هذا ما نسمعه وأضفت ويقولون أن البعض من أعيان الموصل اتفقوا على هذا المحافظ وأنهم في طريقهم للحوار مع حكومة بغداد..!
رد ابو احمد وقال:
كلها ألاعيب وكل ما أطلبه منك هو أن تحذر وتحافظ على أولادك وإذا تستطيع حاول الهرب مجدداً وأنا كفيل باحتياجاتك وأوفّر لك ما تريد.. شكرته على مبادرته تلك واتفقنا على التواصل وحتى بريد الجريدة كنت أرسله إليه عبر الهاتف وطلبت منه أن يخفي الاسم (أي اسمي) هو الآخر لأن قابل الأيام لا يعلم به سوى الله وحده.. أي مبهم للجميع..
ما كان إشاعة بات يترددّ من قبل مسؤولين كانوا في المحافظة (ممن هربوا) عبر القنوات التي كانت تشجّع ما يجري بل وتدفع للمزيد..!
حين كنّا نقول لا ندري أو لا نرى أحداً من ألـ(مسلّحين) يعلم الله كنّا صادقين بذلك لأن من دخلوا الموصل بصفة (مقاتلين) ما أن أعلن عن (فتحها) احتلالها حتى تركوها وراحوا (يتمددون) لنسمع عن سقوط أقضية ونَواحٍ وقصبات وقرى نينوى تباعاً، لا بل توقف مدّ التنظيم عند حدود إقليم كردستان العراق وفي مناطق عند الحدود التي كانت قبل أحداث العام (2003) حيث كان الجميع يشاهد نقاط السيطرة بين الإقليم وما تم احتلاله من مناطق وهي لا تبعد سوى أمتار فقط..
كانت الحركة موجودة بين الموصل وأغلب المناطق.. دخول عجلات وأهالي يخضعون للتفتيش من سيطرات التنظيم والسيطرات الحكومية سواء التابعة لبغداد أو أربيل..
حين وصل عناصر التنظيم إلى بيجي ومن ثم تكريت وارتكاب جريمة العصر الكبرى والمتمثّلة بإعدام أكثر من (1700) طالب ومجنّد عسكري ووصفهم بالروافض.. وانتشار مقاطع فيديو المجزرة عبر شبكات التواصل والقنوات المختلفة، أصابت هذه الكارثة كل أهالي الموصل بالاحباط بل أن كثيرون راحوا يسألون عن ما يمكن أن ينتظرهم مستقبلاً لأن لا عرف ولا دين ولا مذهب بل حتى الكفّار لا يمكن لهم أن يكونوا بتلك القسوة وينفذوا هكذا أحكام بأشخاص عزل كل جريمتهم أنّهم طلبة عسكريون يخضعون لقانون بلدٍ موجودٍ ومعترف به، بل وحتى الديانات وبكل مذاهبها تبيح الخضوع لأولي الأمر، فكيف حدث إذاً وأرتكبت تلك الجريمة البشعة النكراء أمام أنظار العالم..؟
الذين دخلوا الموصل واحتلوها من دون قتال، حصدوا الكثير من الغنائم ومنها عجلات الشرطة والجيش وناقلاتهم المصفّحة وأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ومنها دبابات وحتى طائرات (سمتية) عدد (2)..!
تلك الأسلحة المهانة المتروكة على حالها أستُغلت في عمليات تقدّم المسلّحين الذين، إلى تلك اللحظة لم تطلق عليهم تسمية (داعش) أي اختصار لدولة العراق والشام الإسلامية.. والإسلام منهم ومنها براء..!
حتى بادرت “قناة العربية” كأول وسيلة إعلامية لتُعلن تلك “مفردة” التسميةالجديدة التي راح يتداولها الجميع وتصبح المختصر الثابت فيما بعد..!
تم اغلاق بعض جوامع الموصل ولم نكن نعلم أن هناك من أغلقها بأمر وبقي السؤال من يصدر الأوامر ويسيّر (حكم) المدينة؟!..
عن طريق الجوامع كانت الدعوات تعلن عن نية التنظيم بإقامة استعراض كبيرٍ في منصّة الاحتفالات..
كنّا خائفون، بل وإزداد الخوف عشرات المرّات لأن هناك من أعلن وعبر مكبّرات الصوت الموجودة في الجوامع عن فتح باب (التوبة) لمن عملوا في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والصحفية والإعلامية وبقية العناوين..!
كنّا نعتقدها مزحة أو مقلب أو حتى عملية مدبّرة لتصفية من أشرنا لهم..!
في تلك الأثناء اتصلت بصديقي محمد فتحي وسألته عن الأوضاع في الساحل الأيمن.. كان ردّه لا يوجد شيء، ثم سألته عن بعض الأصدقاء ومنهم اللواء الركن واثق الحمداني والحاج رائد العبيدي وآخرين:
أجابني: بأن أبي محمد (واثق الحمداني) كان معه على اتصال وأنه آخر من غادر الموصل باتجاه الإقليم.. وكذلك فعل العبيدي لاحقاً..
كنّا نتواصل مع عديد الأشخاص عبر الهاتف وعرفنا أن أحد سوّاقي مديرية شباب ورياضة نينوى (ُقتل) بداية سقوط المدينة على أيدي (التنظيم) حين كان ينقل أجهزة ومعدات من مقر المديرية، حيث استطاع الكثير من العاملين بالدوائر نقل أشياء عديدة و”كثيرة” كالحواسيب واللابتوبات والأجهزة الكهربائية المختلفة وحتى العجلات باتجاه الجهات التي هربوا إليها..!
أما الأندية الرياضية ومنتديات الشباب، فإن لها قصص لاحقاً يأتي دورها..!
كان استعراضهم الكبير في منصّة الاحتفالات الكبرى الكائن موقعها، قرب حي السكر وشارعها يتجه صوب الجسر الثالث أو حي الثقافة (الجامعة) عبر طريق منحدر على جانبها الأيمن وأنت متجه نحو شارع الجامعة، حيث تقع فسحة كبيرة مخصصة لجلوس المسؤولين والضيوف من أيام النظام السابق (صدام)..!
تلك المنطقة المواجهة لأهم تراثٍ أثري عراقي موصلّي هي من شهدت ذلك الاستعراض المهول (المخيف) الذي تقدمه بعض ألـ”خيّالة” ممن يمتطون الخيول العربية الأصيلة، تلاها من أشرنا إليه “معدّات وأسلحة” وبسرعة البرق انتشرت صور ومقاطع الفيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أي بات الحدث شبه (منقولٍ) عبر الهواء..!
كنّا نرى ونسمع أزيز الطائرات وهي تجوب أجواء الموصل وتمسحها (مسحاً)، بل وأقسم عدد كبيراً ممن شاهدوا الاستعراض أن الطائرات كانت في السماء والاستعراض لم يتوقف وكأنه (يحمي المستعرضين)..!!
والسؤال هنا.. لماذا لم تقم الطائرات بضربهم وهم يستعرضون قوتهم علناً..؟
نعلم بأننا لن نجد الإجابة على سؤالنا أبداً..
ما رأيناه عبر الفضائيات ومواقع التواصل.. عاد واختفى وكأنه لم يكن..! أين ذهبت تلك الجموع التي زرعت بأذهاننا بأن ما رأيناه هو رسالة مفادها (القوّة هي من تحكم وأنتم بأيدينا..!
بقيت جماعات التنظيم التي تتحرك بالمدينة (قليلة جداً جداً) والمستعرضون لا يعرف عنهم أحد شيئاً ..
إذ بالكاد كنّا نراها “الجماعات”..! وإن حصل فكانت عبارة عن سيارات حديثة أو من تلك العسكرية التي تم (اغتنامها) وهي تحمل أعداد منهم بلباسهم الأسود وأسلحتهم الحديثة والمتطوّرة جداً “كثيراً” وهم يتجهون إلى ساحات المعارك والتحرير كما يقولون..
من أين يأتون أو يخرجون؟ لا أحد يعلم وحال ابتعاد تلك السيارات لا تجد أحداً في الشارع، فيما تجد المواطنين يزاولون أعمالهم اليومية المعتادة، من بيع وشراء رغم محدودية الحركة..
ظهر البعض من المهللين ممن أغرتهم الكاميرات أو تم الضحك عليهم ليعلنوا عن فرحهم بالـ(تحرير) وهؤلاء شعروا بندمهم لاحقاً وأصبح حالهم كحال ذلك الذي حمل (صورة الرئيس المخلوع صدام حسين وراح يضرب بنعله لمرات ثم عاد يوماً وأعلن أنّه ندم).. مع أن الندم لا يفيد، إلا أن ما جرى لا يمكن أن يجري إن لم يخطط له بدهاء ومكر لغايات تجعل من أهل الموصل منبوذين لاحقاً.. وهو ما حصل وتم فعلاً..
كانت صبيحة أحد الأيام.. حاولت الاتصال بالأصدقاء عبر جهاز الموبايل.. لم أفلح حاول كل أهل بيتي وأيضاً لم يفلحوا، فتحنا خط الأنترنت.. كان هو الآخر متوقّف عن العمل..!
بذلنا وعملنا كل شيء ساعتها، لم نستطع حل المشكلة توقف شبكات المحمول والنت والتشويش على الستلايتات..!
لا تسألونا عن الكيفية.. لأننا لم نكن بعارفين بشيءٍ..
أجهزة التلفاز عليها تشويش هي الأخرى لم يحدث ذلك مطلقاً في السابق “اللهم باستثناء تلك الأيام التي كان العراق محتلاً من الأمريكان وبالتحديد في ساعات تجوّلهم بمركباتهم التي تؤثر بكل شيءٍ..
أخذتنا الأفكار متلاعبة بنا..
ماذا يجري وهل تم عزلنا عن العالم..؟
راحت الإشاعات تنتشر والتي تفيد: بأن الجيش قادم بمساعدة الأمريكان لتحرير المدينة..!
هناك من خاف وغيره فرح ولكن كل فرد كان يعبّر عن الذي بداخله من خلال أسرته فقط لأن الثقة بدأت تفقد بظهور بعض الأشخاص ممن كانوا أساساً من سيئي السمعة، ووجدنا قسماً كبيراً منهم يتحدث باسم التنظيم ويستعرض بطولاته قبل الاحتلال وما بعده..!
عزلوا المدينة عن العالم لمدة امتدت من بواكير الصباح وحتى الساعة الخامسة والنصف من أمسية ذلك اليوم..!!
عادت الاتصالات تدريجياً وعرفنا وليتنا لم نعرف بأن البغدادي (أبو بكر) كان في زيارة للموصل، بل ودخل على المصلّين وألقى فيهم خطبته التي تناقلتها كل وسائل الإعلام من الجامع النوري الكبير ذي المئذنة الشهيرة (الحدباء)..!
بحكم عملي الصحفي وخبرتي بتقصّي الأخبار علمت أن مجموعة من التنظيم سيطرت على شركات الاتصالات الموجودة في الموصل بعد أن أخرجت كوادرها العاملة..!
تلك الجماعات حملت معها أجهزة متطوّرة جداً تمكنت من خلالها شلّ كل أنواع الاتصالات والبث في عموم الموصل إضافة لقيامها بإطفاء كافة الأبراج وغيرها وتعطيل شبكات الانترنت بكل أنواعها..
أي قوة وأي قدرة إذاً يمتلكها هذا التنظيم ومن أمده بتلك الأجهزة وأولئك الخبراء الذين كانوا يتحدثون العربية (مكسّر) وهم يخفون لكنتهم الأجنبية؟!..
وصلنا إلى قناعة تامة بأن ما يحصل هو عمل مخابراتي عالي المستوى وبات من كان يخاف الحديث بذكر “صدام” أمام أحد سابقاً أو حتى أمام أهله أشد خوفاً إن هو همس أمام حائط غرفة نومه..! لأن الحيطان وكما قالوا أصبح لها آذان تتنصّت!..
هذا الشيء وتلك الكلمات نقلتها بالحرف لصديقي جعفر العلوجي وهاله ساعتها ما سمع كونه حاول الاتصال بي ولم يقدر وكذلك إياد الجوراني الذي ومع عودة الاتصالات اعتذرت له عن عدم قدرتي إرسال إعداد حلقة برنامج بتوقيت اليوم..
كما أتاني اتصال آخر من السيد إحسان العاملي والذي سبق واتفقت معه على الكتابة بجريدته باسم مستعار بمقابل راتب شهري خلال تواجدي في “دبي” قبل احتلال المدينة بفترة وجيزة وكان حلقة الوصل في استلام ما أرغب بنشره هو الزميل رائد محمد..
أخبرت الجميع بأن الخطر راح يقترب مع أننا وإلى تلك الساعة لم نرَ تلك الأعداد الكبيرة من “الدواعش” في الأحياء والمناطق التي نرتادها كما كان يعلن عنه، بل كنّا نرتاد المقاهي وندخّن السجائر علناً ونتحدث بأمور وشؤون الرياضة وحقاً نعترف هنا بأننا كنّا نخاف الخوض بأي معلومة أو تفصيل يطال أو يخصّ من يديرون المدينة من خلف الستار..
حتى بعد خطبة البغدادي لم يتغيّر شيء باستثناء قيام المحسوبين على التنظيم التواجد في أماكن معيّنة لتوزيع (أقراص) تحتوي عملياتهم أو (غزواتهم) كما كانوا يقولون.. دخلنا رمضان والعيد والأوضاع عادية جداً فقط حروب أعلامية وإعلان عن تقدّم للدواعش وقضم الأراضي حتى وصلوا إلى مشارف بغداد..
-يتبع-
في الجزء الخامس..
احتلال برطلة وما تلاها حتى حدود الإقليم القديمة..!
صديقي “عليّ” يهرب من برطلة!
الستلايت سلوتنا الوحيدة والخوف من مراقبة الاتصالات هاجسنا..
متابعة صفحاتنا الشخصية عبر الفيس أجبرنا على التوقف..!
استخدمنا الموبايل للطوارئ وفي نطاقٍ محدودٍ جداً..
كاد يغدر بنا عن عمدٍ أو من دونه من صحفي..!
أحاديث تواصلت بيني وبين بعض الأصدقاء..
نوايا التنظيم أخذت تنكشف وبدأ الإعلان عن حقبة التشدد!
تهديد إخوتنا المسيحيون والتعامل معهم بقسوة..!
ماذا دار بيني وبين صديقي الصحفي المسيحي..؟!
كيف أفرج عن أفراد القنصلية التركية دون التعرّض لأي أذىً..؟!
بقينا نستخدم الموبايل للحالات الطارئة ومع المقربين فقط بعد أن كاد يغدر بنا عن عمدٍ أو من دونه!
بسبب أحد الوشاة (علناً) لأول مرّة أساق للتحقيق من قبل الدواعش والجوراني وهوية التقاعد خلصاني من مصيرٍ محتوم..!
إعلان التوبة في جامع (الصابرين) ومن يتخلّف ويقبض عليه يقام عليه الحد
هكذا حققوا البيعة لهم في مبنى المحافظة بحضور “العدناني” وغيره..!
كثير من نازحي تلعفر في الموصل قبل احتلالها لعبوا الدور الأساسي في تقوية “التنظيم” وسيطرته مع القادمين من الأرياف..!
“جامع عائشة” كان وكرّهم قبل احتلال المدينة وبعده والكل يعلمون بذلك..!
الكرعاوي والملا عبد الخالق وكامل زعير والصائغ وجبار حميد (كندا) وصبري بنانه والعلوّجي وحمودي والشكرجي والسهلاني والقطان والجوراني وهشام عبد الستار ورائد محمد والعاملي (الإمارات) وخالد جاسم وعادل فاضل وعلي خان البصراوي ومصطفى العيداني وغيرهم ومواقفهم المشرّفة التي لا تنسى.