تقارير وتحقيقات

صراع التنافس مابين القطاع الاهلي والحكومي يتراجع متأثراً بالتراجع الاقتصادي..

 

خدماتٌ أهلية تشهد الاقبال الوطني لأفضليتها وتثير سخط الآخرين لارتفاع اجورها..

فاطمة غانم جواد_ بغداد

مستشفيات ، مدارس وجامعات أهلية تتفوق في خدماتها مقابل أجور غير قابلة للتخفيض مما جعلت المواطن العراقي في حيرة من أمره في ارتياد القطاع الاهلي الذي يقدم خدمات يفتقر القطاع الحكومي لكفاءتها العالية الا ان تراجع المستوى الاقتصادي للمواطن العراقي وما شهده من ازماتٍ متكررة هددت الهيكل الاقتصادي المعيشي للفرد جعلت التنافس بين القطاعين يتراجع من خلال عودة نشاط القطاع الحكومي لزيادة الاقبال الوطني على خدماته المجانية التي تتماشى مع ضعف الوارد الاقتصادي الشخصي للمواطن .
ولاشك إن مستقبل القطاع الاهلي يعتمد بالدرجة الأولى على المستوى الاقتصادي الذي يشهد انخفاضاً آنياً وتراجع ملحوظ على المستوى الوطني العام وهذا ما يجعل الاقبال على الخدمات الاهلية ضعيف جدا لعدم توفر الامكانات المالية لأغلب الأفراد والتي لا تتناسب مع المتطلبات المالية باهضة الثمن للخدمات الاهلية بالتالي يضيق الخناق على مستقبل هذا القطاع الممول من جماعات وكتل سياسية حزبية أُهمِلت القطاع الحكومي بخدماتٍ رديئة سادت ابنية القطاع لكي تُمهد الطريق لقطاعٍ جديد ممول يجعل مكسبها منه اكبر مقارنة بالحكومي.

معوقات عمدية

وللحديث أكثر عن هذا الموضوع كانت المقابلة الأولى مع الاستاذ الدكتور خليفة ابراهيم عودة التميمي / عميد كلية القانون والعلوم السياسية – جامعة ديالى ، جاء في الحديث معه :اعتقد ان تقدم المؤسسات الاهلية على الحكومية وفق اسباب عديدة ومتنوعة منها اقتصادية بسبب العجز الحكومي عن تنمية اقتصاد الدولة وبالتالي ينعكس على اداء مؤسساتها ومنها ماهو سياسي وحزبي من خلال محاصصة المواقع الادارية والسياسية من الذين تنقصهم الخبرة او الفساد تجعلهم غير قادرين على ادارة هذه المؤسسات ومنها ماهو اجتماعي من خلال عدم حماية موظف الدولة هذه الحماية التي تجعله مطمئن للقيام بعمله بالشكل المطلوب ومنها ماهو قانوني تشريعي فمعظم مؤسسات الدولة تنقصها التشريعات اللازمة كي تقوم بتطوير عملها وفقا للتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم والمنطقة ،هذه النقاط المذكورة اعلاه جعل من المؤسسات الاهلية تأخذ هذا الدور بسبب العجز الحكومي يضاف لهذه النقاط هو قيام معظم الشخصيات السياسية والمتنفذة في القطاع الحكومي ببناء مؤسسات اهلية تقوم مقام المؤسسات الحكومية وبالتالي محاولة عرقلة المؤسسات الحكومية من القيام بدورها كي تأخذ هذه المؤسسات التابعة لهم بالاستحواذ على هذه الادوار اضافة لكل هذا استشراء الفساد في مؤسسات الدولة واستمرار هذا الفساد مما جعله يكاد يكون ثقافة لدى الموظف في ممارسة الفساد وعدم قيام الحكومة باتخاذ اجراءات جدية بإصلاح مؤسساتها بما يقوم بوظيفته الخدمية والاقتصادية وعائداته الى التنمية كذلك قيام الكتل السياسية بتشريع قوانين من خلال مجلس النواب على اساس التوافق بين الكتل وليس على اساس تطوير مؤسسات الدولة وبناء البلد بشكل استراتيجي .

تقدم على حساب تراجع ملحوظ ..

وفي السياق ذاته تم إجراء المقابلة مع أ.م. د. خالد ستار القيسي . عميد كلية الاعلام في الأكاديمية الأمريكية الدولية للتعليم العالي والتدريب و بيّن إن نشاط القطاع الاهلي عندنا في الوقت الحاضر يعود إلى ضعف الدور الحكومي في جميع المجالات مما ساعد القطاع الخاص على اخذ دور بارز في المجالات التي تشهد خللا حكوميا هنا وهناك ، اما مساوئه تكمن بضعف الاداء باعتبار القطاع الخاص يهتم بالربح والخسارة اكثر من اهتمامه بالمضمون ولاسيما في غياب الرقابة ،اما إيجابيات القطاع الاهلي من وجهة نظري هي فتحت الباب على مصراعيه اما الطلبة مثلا فهناك من اصحاب المعدلات المتواضعة دخلوا كليات علمية مرموقة لا لشيء سوى أن امورهم المادية متيسرة وهناك أيضا في المستشفيات الخاصة يجد المريض عناية خاصة افضل مما يجدها في المستشفيات الحكومية وهذا من حق ميسوري الحال لدخولها وهكذا بقية الأمور الإيجابية بالقطاع الخاص . وأكد إن الجامعات الاهلية اغلبها عندنا غير رصينة وغير مؤهلة للتعليم ولهذا نجد اغلب الطلبة المتخرجين منها مستواهم ضحل جدا وغير مؤهلين لأي شيء .. والسبب طبعا هي الدولة لأنها لا تستطيع أن تستوعب كل الطلبة أو لشروطها المجحفة احيانا واكد قوله هذا واجب الدولة تجاه الخريجين و هناك قصور كبير في أداء الدولة عندنا مما انعكس بشكل واضح على الشعب . اما من ناحية استيعاب بعض العاملين في الكليات والمستشفيات الخاصة فهذه حسنة تحسب للقطاع الخاص . فهي تستوعب بعض العاملين التي عجزت الدولة عن استيعابهم.

هموم الأهالي تتفاقم بغلاء القطاع الاهلي ..

وفي سياقٍ مختلف كانت المقابلة مع الدكتور أوس اخصائي الطب العام في مستشفى المدائن الحكومي وأشار وفق القواعد الصحيحة فانه وفور دخولك الى المستشفى الحكومي يجب ان تبدأ عملية الإسعاف ومعالجة الحالات المفاجئة كالحرائق وحوادث السير وغيرها في قسم الطوارئ، لكن ما تواجهه هناك حالة من الفوضى وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة والتعالي في الكلام، وبمجرد الدخول الى الطوارئ فإنَّ رحلة الروتين والانتظار ترافقك في أغلب الأماكن حتى وإنْ كانت الحالة حرجة وقد تتسبب بالموت أو بأذى كبير، لحين المباشرة بإجراءات المعالجة، هذا إنْ تمت ولم ينقل إلى مشفى أهلي يكون فيه التعامل الطف وأرق لأنَّ كلَّ شيء فيه يقابله أجر، وبيّن انه في المستشفى الحكومي ردهة الطوارئ لا تتمتع بأيِّ هدوء فالأصوات تتعالى من هنا وهناك، والتنظيم مفقود، والسؤال لا يلقي الإجابة وإنْ وجدت فهي قاصرة وغير كافية، كأنَّك في ساحة عامة تكون فيها القوانين معطلة والفوضى تسود المكان، أمَّا العاملون فأغلبهم لا يعرفون البُعد الديني والأخلاقي والإنساني لهذه المهنة ولا يكترثون لأيِّ شيء إلَّا لجمال مظهرهم، بينما إنْ وجدت أيَّ أحد منهم يعمل في مستشفى أهلي فإنَّك سترى شخصاً آخر ستراه لطيفاً وهادئاً ومتعاوناً تحكمه سياسة المكان والقوانين التي يفرضها الأهلي فلا أحد هنا فوق القانون والجميع عليهم أنْ يعملون بتفانٍ ومثابرة وهدوء، فالزبون هنا دائماً على حق ما دام يدفع المال مقابل كلَّ خدمة تقدم له، وأوضح هنالك فرق كبير جداً بين المستشفى الحكومي والأهلي على كافة المستويات، لكن ليس الجميع قادر على الذهاب على حسابه الخاص، فالسواد الأعظم لا يمكنه تحمل التكاليف الباهظة التي تأخذ مقابل رقود المريض وتقديم الخدمات له، فالمستشفيات الأهلية التي هي بالأساس غير متاحة للفقراء والمحتاجين تأخذ على عاتقها التأسيس للطبقية المجتمعية، كما هو حال المدارس والكليات التي على شاكلتها، فمن يملك المال يمكنه أنْ يجعل من ولده طبيباً أو مهندساً فالشهادة هنا أيضاً مقرونة بوجود المال بغض النظر عن المعدل، تخيل أنَّ معلماً ميسور الحال يبعث بولده الى مدرسة أهلية رغم أنَّه يعمل في مدرسة حكومية، هذا إنْ دلَّ فإنَّه يدل على مستوى العجز الحكومي في توفير أبسط الحقوق المتمثلة بالتعليم والصحة ومختلف القطاعات الأُخرى، الحديث مرير ويطول شرحه عندما تحاول أن تصف ما يجري في معظم المستشفيات العراقية، حيث تشكو اغلبها الإهمال والنقص في الخدمات والمعدات والأجهزة الطبية والنظافة، أضف إلى ذلك صعوبة تعامل العاملين في هذا القطاع الحيوي الذي يرتبط عمله بحياة الناس وأرواحهم، ولا غرابة أنْ تجد في المستشفى الحكومي اكتظاظاً في أقسام الطوارئ وعيادات الاختصاص، ونقص القوى البشرية وخصوصاً الأطباء والتمريض، ونقص العلاجات والمستلزمات والأجهزة الطبية، وعدم توفر بعض الاختصاصات الطبية واللامبالاة، فلا أحد يحاسب على التقصير لأجلك، ولا جهة رقابية تأخذ دورها في تصحيح المسار داخل المؤسسات الصحية، ما دام المسؤول قادر على معالجة نفسه وذويه خارج البلد.

علمٌ مثمر خلف عملٌ مستثمر..

وفي سياقٍ آخر تمت المقابلة مع عضو لجنة العلاقات والاعلام لقطاع التاجي وسبع البور نقابة المعلمين العراقيين فرع بغداد الكرخ سمير عبد الله خلف معاون مدير لدى إحدى المدارس الحكومية وأوضح إن المدرسة الأهلية : هي مؤسسة تربوية ذات طابع تجاري حيث تعتبر مورد مالي لمن يريد الاستفادة من خبراته التربوية و تسخيرها لكسب المال و ممارسة العمل و توثيق العلاقة بين المستثمر و التربية ، وبيّن من سلبياته أنه يعكس النظرة السلبية عن التعليم في المدارس الحكومية و يستهدف إلزامية و مجانية التعليم و عدم الرغبة في الالتحاق بالمدارس الحكومية جراء التناقض الكبير بين الاهلي و الحكومي حيث ان الخلل الكبير الذي أصاب المؤسسات التربوية الحكومية من التقصير و الإهمال الواضح من جميع النواحي سواء في بناية المدرسة و بيئتها أو من ناحية المستوى العلمي و تركيزه أدى بالنتيجة إلى أن يضطر الكثير من اولياء الامور لتغيير وجهة أبنائهم التعليمية من المؤسسات الحكومية نحو التعليم الاهلي كما أن إكتظاظ الصفوف بالأعداد الهائلة يؤدي إلى تخوف أولياء الامور من إصابة أبنائهم بالأمراض المعدية و عدم القدرة على استيعاب المادة العلمية التي يدرسها حيث صعوبة الانتباه و شرود الذهن و عدم تفاعل المعلم أو المدرس بشكل جدي مع الجميع إضافة الى التمايز الطبقي الواضح بين فئات التلاميذ كل هذه الأسباب أدت بالنتيجة إلى سرعة إنتشار المدارس الأهلية ،وأشار الى سلبيات القطاع الاهلي الذي نراه في الوقت الحاضر ينتشر اكثر وهذا سوف يقلل من قيمه التعليم الحكومي من مختلف المجالات التصنيفات الدولية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية واصبحت تجارة تعمل بها شخصيات متنفذه ومتمكنة مالياً تجبر المواطنين على دفع المال من اجل ايجاد تعليم جيد وهذا لا يفرق عن التعلم الحكومي لكن فرضت على أرض الواقع.

إنتعاش يُهيأه إهمال ..

وفي سياقٍ متصل تم إجراء المقابلة الاخيرة مع إدارة مدارس الادريسي الاهلية في النجف الاشرف وتم التأكيد على ان التعليم و الصحة قطاعان مهمان وخطران في نفس الوقت وحسب رأيي أن المشكلة ليست في كوادر الوزارتين ،بل المشكلة هو الفشل في إدارة المال العام وتوفير الخدمات من قبل الوزارتين ،بالنسبة لقطاع التربية هناك ارتفاع كبير في عدد المدارس الأهلية ،وحسب معلوماتي أن عدد المدارس الأهلية أكثر من 1440 مدرسة أهلية ونتيجة الزخم الحاصل في قطاع التربية فتحت الوزارة المجال للمدارس الأهلية لترفع عن كاهلها شيئا من هذا الثقل بالإضافة إلى قلة عدد المدارس الحكومية مقارنة مع اعداد التلاميذ أو الطلاب ،فنجد بعض المدارس الحكومية ذات الدوام الثلاثي وكذلك انهيار البنى التحتية للمدارس الحكومية والزخم الكبير في إعداد الصف الواحد في المدارس الحكومية وان القطاع الخاص موجود في أغلب الدول سواء العربية منها أو الاجنبية، قبل فتح المدارس الأهلية كان أولياء الأمور يدخلون أبنائهم في دورات ،مبالغ هذه الدورات أكثر من القسط السنوي للطالب ،وعند فتح المدارس الأهلية انتهت الدروس الخصوصية بالإضافة إلى تشغيل آلاف المعلمين والمدرسين غير المعينين ،وقد يصل العدد إلى أكثر من 13000معلم ومدرس غالبيتهم من غير المعينين وبذلك قللت المدارس الأهلية في عدد العاطلين عن العمل من الخريجين ،على الرغم من كونهم عقود، وكذلك نسب النجاح والمعدات العالية في المدارس الأهلية ،وهنا اتكلم عن معدلات الامتحانات الوزارية نجد الكثير من الحاصلين على المعدلات العالية هم من خريجي المدارس الاهلية ،وهذا ينطبق كذلك على القطاع الصحي ،وأشارت إدارة المدرسة ان في هذه السنة الدراسية الإقبال على المدارس الحكومية أكثر من المدارس الأهلية لطبيعة الدوام بشكل عام وعدد أيام الدوام الفعلي للطلاب .

ولنا رأي..

إن القطاع الحكومي بخدماته الرديئة يعطي التقدم البارز للقطاع الخاص على حساب المصلحة العامة لغالبية الشعب الذي يعاني من ضنك العيش وانخفاض المورد المالي نتيجة الأزمات المتتالية التي عصفت بالبلاد منها اقتصادية وأخرى منتظرة على المِحك السياسي القادم ، الذي يجعل من الشعب لقمة سهلة في قبضة القطاع الذي يتماشى مع المصالح الشخصية لأغلب الإدارات الحزبية التي تبذر الاهمال والتلكؤ داخل القطاع العام ليستشري القطاع الممول بأفضلية لو أُريد النهوض الفعلي لتحققت تلك الأفضلية في القطاعات الحكومية لكن انانية التفكير وطمع التحصيل يقف عائقاً امام التقدم بأي قطاع صحي أو دراسي كان ، وهذا ما جعل الفشل الاداري يستشري لفسادٍ إداري يحقق المنفعة الشخصية ويغبن المنفعة العمومية للشعب المحكوم بسياساتٍ ينخرها شبح الأزمات لسوء القرارات المتخذة..

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى