مقالات

الشيخ جراح، إنه بيتي

هادي جلو مرعي

 وكأنه لايعلم إن هذه السيدة الطاعنة في السن ولدت هنا، في هذا الحي العتيق، فيتبجح وبوقاحة، ويطلب منها مغادرة منزلها الذي عاشت فيه كل تلك العقود من السنين، ثم يقول لها: إنه بيتي!!  

وببساطة، وبلا أدنى تردد، وبينما رجال الشرطة يتفرجون، يستمر المستوطنون الذي يتزعمهم يميني متطرف بمهاجَمة أبناء الحي العزل، ويفتعلون الأزمات المتتالية، ويقومون بأفعال عدوانية ليرغموهم على المغادرة في إصرار واضح على نفي حقهم في البقاء، والعيش في المكان الذي ورثوه عن أجدادهم، وعبر أزمنة لم يكن هناك من مستوطن واحد، أو لم يكن قد ولد أجداد هولاء المستوطنين الذين يحظون بمعاملة خاصة من السلطات الإسرائيلية، ولاينهاهم أحد عن عبثهم وطغيانهم، وهم مطمئنون الى ضمير العالم الذي يغط في سباته العميق طوال الفصول الأربعة، فلا دفء يحركه، ولاأنواء تهزه ليبدي رأيا، أويساند مظلوما ضاقت به السبل، فلم يعد يجد سوى الرب ملاذا، وصوته ويديه وقدميه ليذود بها عن حق يستلب منه، وهو أعزل إلا من هذه الآلات الضعيفة التي يمكن أن تصيبها نيران الجنود، أو تقيدها سلاسل الحديد، ثم تودع في سجن كئيب مع صاحبها، لعل صوته أن يندثر، ولايعود يعلو في مواجهة آلة البغي والعدوان والهمجية.

 يمكن للأكاذيب ان تتحول الى حقائق يصدقها مفتروها، ويرغم الضحية على تصديقها، ويتواطئ آخرون كثر ليروجوا لها، ويعدوها من اامسلمات ماداموا غير معنيين بالإمر، أو لأنهم قبضوا ثمن التزييف، أو لأنهم بلاضمير، وليس لهم شغل بالقيم والأخلاق والعدالة، وحق الناس في العيش الآمن، ودفع المظالم عن المظلومين العزل الذين لاحول لهم ولاقوة، وينتظرون موقفا من شركائهم في الإنسانية ليقوموا بماعليهَم من واجب تجاه شركائهم الذين يواجهون كل يوم عدوانية المستوطنين وبغيهم وهم متسلحون بالمال والقوة القاهرة، وبالقوانين التي تنسف تاريخا من أجل كذبة إسمها مدرسة، أو روضة للصغار، أو دار رعاية للمعاقين، وماعلى العزل إلا ان يوافقوا على نسف ذلك التاريخ، وذلك العمران، وذلك الإرث من الدين والأدب والغادات والتقاليد والحياة الحافلة بالذكريات والموت والولادة الجديدة والإنبعاث والرغبة في مواصلة الحياة رغم المصاعب والضغط المتواصل . 

     يفهم أهالي الحي إن معركتهم قاسية، وغير متكافئة، وإنهم لايملكون الكثير من القوة، وإن الذين كانوا يساندوونهم ولو بكلمة حولوا أنظارهم عنهم، وعيونهم على أخوتهم في الداخل والخارج ليقفوا معهم مساندين، ويعبروا لهم عن شراكة دائمة، وأمل في يوم قريب تنجلي فيه الأمور عن إنتصار للحق، وهزيمة للباطل، ونهاية للإحتلال لن تقوم له من بعدها قائمة مهما كثرت أسلحته وأمواله، ومهما تغاضى الأقربون والأبعدون، ومهما حصل على دعم من الدول الكبرى، ومهما تركت المنظمات الدولية مسؤولياتها، وتساهلت مع العدوان، أو عبرت عن عجز، فالقوة التي هي جوهر الحق ستكون مع المظلومين مهما طال زمن الإنتظار، ومهما تشابكت المحن والملمات ومهما قل الناصر، وكثر العدو، وقلت الحيلة، والإمكانيات.وسينعمون بنصر الله.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى